تنشَط وزارة الطاقة باتجاه تطوير قطاع الكهرباء عبر الانتقال نحو الاعتماد على الطاقة الشمسية، انسجاماً مع سعيها للوصول إلى إنتاج 30 بالمئة من الكهرباء عبر الطاقة المتجددة بحلول العام 2030. وعلى عكس ذلك، يصطدم المسعى الإيجابي بإصرار على عدم تعيين أعضاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، بل الاستمرار في حصر قرارات الاستثمار في هذا القطاع بيد الوزير، الذي يعتمد على جمعية خاصة ترعى مشاريع الوزارة تحت سلطة الوزير، عوضَ أن يجري الانتقال نحو الطاقة المتجددة تحت إشراف الهيئة الناظمة، المكلّفة قانونياً إعطاء التراخيص والأذونات المتعلّقة بانتاج الكهرباء.
ومن المستبعد تعيين أعضاء الهيئة الناظمة للقطاع. إذ تزامن إقرار قانون الطاقة المتجددة الموزّعة، مع تعديل غاية إنشائها لتتلاءم مع المتطلّبات الجديدة في القطاع. فهل التعديل هو فعلاً لتعزيز السيطرة على القطاع؟
الجمعية بدل الهيئة الناظمة
بقي إطلاق عمل الهيئة الناظمة حبراً على ورق منذ العام 2002. وبعد العام 2010، ومع إطلاق ما سمّي بورقة سياسة قطاع الكهرباء، استمرّ تجاهل الهيئة مع أن الورقة وُضِعَت بهدف إعادة تنشيط القطاع وتخطّي الحقبات السابقة. لكن النتيجة كانت أسوأ. فأخذ القطاع بالتراجع. وبدل تعيين أعضاء الهيئة الناظمة، أمسكَ وزراء الطاقة المتعاقبون بالقرارات المتعلّقة بمشاريع الطاقة، تحت إشراف ومشورة جمعية خاصة، هي “المركز اللبناني لحفظ الطاقة”.
والاتجاه نحو الطاقة المتجددة عبر إقرار قانون الطاقة المتجددة الموزّعة، وإصرار البنك الدولي على وجوب تعيين أعضاء الهيئة الناظمة، كجزء من الإصلاحات المطلوبة للحصول على تمويل، لتنفيذ الاتفاقيات التي أنجزت مع مصر والأردن وسوريا لتوريد الغاز والكهرباء، لم يسعف في تسريع تعيين أعضاء الهيئة الناظمة، بل إن إقرار القانون الجديد، دَفَعَ “المركز اللبناني لحفظ الطاقة” إلى تعديل غاية إنشائه، والتي حدّدها في العام 2011 بجملة من المهام والأهداف، وذلك لتطوير قدرته على “توجيه الاستشارة الهندسية لوزارة الطاقة ولبقية الإدارات والوزارات المعنية”، وفق ما يؤكّده لـ”المدن” مدير عام المركز، بيار خوري.
واللافت للنظر، أن المركز تقدَّمَ خطوة إلى الأمام لمواكبة تفعيل عملية الاعتماد على الطاقة البديلة، في حين أن وزارة الطاقة لم تأخذ مثل هذه الخطوة باتجاه الهيئة الناظمة، بل تجاهلت أنها فتحت في شهر كانون الأول 2022 باب الترشّح لعضوية الهيئة، ومدّدت المهلة قبل نهائية كانون الثاني 2023، وجعلتها حتى نهاية آذار 2023. لكن بتنا على مقربة من آذار 2024 ولا بوادر إيجابية في هذا الصدد.
لا هيئة ناظمة في الأفق
لا يستسيغ مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة، غسان بيضون، تعديل غاية المركز وإصرار الوزارة على عدم تعيين الهيئة الناظمة. بل يربط بين الأمرين بصورة وثيقة، ويرى في حديث لـ”المدن”، أن قانون الطاقة المتجددة، وإن أصرَّ على تعيين الهيئة الناظمة إلاّ أن “الممارسة أبقت على الصلاحيات المطلقة لوزير الطاقة، مع أن القانون نصَّ عكس ذلك. والوزير وافق على عدم إعطائه صلاحيات بصورة قانونية، شرط توسيع غاية المركز ليبقى إلى جانبه بدل الهيئة الناظمة”. ولذلك، يستبعد بيضون تشكيل الهيئة الناظمة، ويتوقّع استمرار المماطلة في قبول طلبات الترشّح والبتّ بالتعيين.
وترك قرارات مشاريع الطاقة بيد وزراء الطاقة المتعاقبين وتحت إشراف جمعية خاصة، يعني أن التلزيمات ومراقبة تنفيذها ستكون وفق شروط الوزراء والجمعية (المركز)، في حين أن تعيين أعضاء الهيئة الناظمة وإطلاق عملها، يحصر فيها وحدها، مهمّة “وضع أصول تقديم طلبات الترخيص والأذونات ومراجعتها. وفق الشروط الفنية وشروط السلامة، جودة الإنتاج والكلفة والأسعار وحماية المستهلك، تأمين حماية البيئة، برامج التنسيق المتواصل مع قطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع، المواقع الجغرافية للتجهيزات والقدرة التشغيلية والمالية لصاحب الترخيص المحتمل”، وفق ما تنص عليه المادة 20 من قانون تنظيم قطاع الكهرباء (قانون رقم 462 تاريخ 2/9/2002)، والذي يربط توفير أو تقديم خدمة الكهرباء، من أي جهة كانت، بالقانون وبـ”الأنظمة التي تضعها الهيئة” تنفيذاً لأحكام القانون. وبالتالي، الإبقاء على الصلاحيات بيد الوزراء تحت إشراف المركز، يعني أن الطرفان هما مَن يضعان الآليات الفعلية لتوفير وتقديم خدمة الكهرباء من مشاريع الطاقة المستقبلية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن عدّاد المشاريع أطلِقَ في وقت سابق، من خلال تعاقد وزارة الطاقة مع 11 شركة تُعنى بإنشاء محطات لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية. وهو إجراء كان يفترض أن يتم عبر الهيئة الناظمة، حسب القانون.
التجربة غير مطمئنة
ينفي خوري في حديث لـ”المدن” أن يكون هناك أهداف مبيّتة وراء تعديل غاية إنشاء المركز، ويوضح أن القرار جاء “نتيجة عمل المركز مع الإدارات والوزارات لنحو 14 سنة، وبات للمركز خبرة في موضوع الطاقة، ما يستوجب تعديل الغاية. فمنذ العام 2011 كان التركيز على موضوع كفاءة الطاقة، ومع الوقت غيّرنا الغايات لتواكب العصر، ويكون هناك توازن بين كفاءة الطاقة وبين الطاقة المتجددة التي من ضمنها الطاقة الشمسية”.
“التغيير طفيف” بنظر خوري الذي يؤكّد أنه “ليس من ضمن عمل المركز إنجاز أي مشروع متعلّق بالطاقة المتجددة، بل الهدف فقط هو أن يكون المركز قطاعاً خاصاً مساعداً للقطاع العام ضمن مهام المشورة التقنية”.
ما يطمئن إليه خوري، ليس مقنعاً للبعض. فتشير مصادر متابعة لملف الطاقة، إلى أن “المركز قد لا يشارك في مشاريع إنتاج الطاقة بشكل عملي على الأرض، بمعنى أن يبني محطة لإنتاج الكهرباء، لكن المشكلة تكمن أولاً في مساهمته بشكل غير مباشر بخرق القانون وتولّي بعض مهام الهيئة الناظمة”. وتضيف المصادر في حديث لـ”المدن”، أن هذه المسألة هي “من مسؤولية وزير الطاقة الذي يرفض كأسلافه السابقين، تعيين الهيئة الناظمة والتخلّي عن الصلاحيات المصادَرة خلافاً للقانون”.
لا تقتنع المصادر بالمهام التي نفّذها المركز بالتعاون مع وزارات وإدارات تابعة للدولة. ففي حين يذكر خوري أنه “كان للمركز دور هندسي في دعم لجنة الطاقة النيابية في وضع قانون الطاقة المتجددة، ودور مع مؤسسة ليبنور (مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية) لضبط نوعية السلع التي تدخل إلى لبنان، وكذلك مساعدة معهد البحوث الصناعية في إجراء التجارب اللازمة على البضاعة التي تدخل للبنان، بالإضافة إلى مهام مع وزارة الصناعة ومع الحكومة اللبنانية”، تقول المصادر أنه “ليس من داعٍ للتعاقد مع مركز خاص لإجراء كل هذه الأمور، فالدولة لديها اجهزتها وإداراتها القادرة على إنجاز المهام المطلوبة، والهيئة الناظمة قادرة على اختصار كل ما تقوم به الوزارة والمركز”.
ولا تستبعد المصادر أن يكون هناك “دهاليز في العلاقة بين الوزارة والمركز، والتي يمكن أن تمتد للشركات التي تتعاقد معها الوزارة في مشاريع الطاقة، والتي لا تنفصل عن نصائح ومشورة المركز”. وتتمثّل تلك الدهاليز، حسب المصادر، بـ”كشف تشابك العلاقات مع الشركات التي ترسو عليها المشاريع المستقبلية”. وبذلك، يصبح تغيير الغايات بالنسبة للمصادر، أمراً غير طفيف، سيّما وأن “قانون تأسيس الجمعيات عندما نص على ذكر غايات الجمعيات، أراد مراقبة التزامها بغايات تأسيسها. وبالتالي، ليس طفيفاً أو حدثاً عابراً الحرص على ذكر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقات الكهرومائية وغيرها، بالعبارة الصريحة. وكذلك إدراج عبارة “إعداد واقتراح وتيويم “الخطة الوطنية لكفاءة الطاقة” و”الخطة الوطنية للطاقة المتجددة” وسائر الخطط اللازمة”.. فهذا يعطي الحق قانوناً للمركز في التعامل مع المشاريع المستقبلية، طالما أنها من ضمن غايات إنشاء المركز. وطالما أن المركز يحيط بالخبرات المطلوبة لتقديم المشورة للوزارة، والتي بدورها تملك القرار التنفيذي، يصبح تنفيذ المشاريع المرسومة سلفاً، أمراً سهلاً.. بلا حسيب أو رقيب، طالما أن الهيئة الناظمة غير موجودة. ولا يعني ذلك بالضرورة التشكيك بمهام المركز، لكن لماذا هو وليس غيره من الجهات التي تمتلك خبرات مماثلة وربما أكثر؟ وفي جميع الأحوال، بوجود قانون للهيئة الناظمة، تنتفي الحاجة لأي جهة مساعِدة. على أن حلّ هذه الإشكالية، يبقى بيد وزير الطاقة.