أدخلت الحكومة منظومتها البيروقراطية في حالة الحرب وسمحت لكل الجهات الملزمة بإجراء عمليات الشراء والتلزيم عبر هيئة الشراء العام، بإجراء هذه العمليات من دون المرور بالهيئة. وأتاحت اعتماد الاتفاقات الرضائية مع الموردين سنداً إلى حالة الطوارئ المنصوص عليها في قانون الشراء العام. إلا أن رئيس هيئة الشراء العام ربط تطبيق هذه الحالة بالرقابة اللاحقة على عمليات الشراء تطبيقاً للقانون أيضاً. فهل سيجري العمل بهذه المعادلة، أم ستتفلّت الوزارات بحجّة الظروف الاستثنائية؟بدأت قصّة تخفيف القيود على الجهات الخاضعة لقانون الشراء العام بمذكرة صادرة عن رئيس الهيئة جان العليّة. ففي مطلع تشرين الأول، أصدر العليّة المذكرة 558 الموجّهة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، مشيراً إلى أن الفقرة الثانية من المادة 46 من قانون الشراء العام، تتيح في حالات الطوارئ والإغاثة، الشراء بواسطة الاتفاق الرضائي تأميناً «لحاجات الإدارة الأساسية والملحة في هذه الظروف الملحة، ولا سيّما مع عدم إمكانية اعتماد الطرق العادية التنافسية، وما تستوجبه من إجراءات كإعداد دفاتر الشروط، والإعلان عن الشراء والتقييم والنتيجة، يمكن للجهات التعاقد مباشرة مع الموردين».
لكن العليّة ربط تطبيق هذه الفقرة بعدم توسيع عمليات الشراء نحو الخروج عن مضمون المادة المتعلق بحالة الطوارئ، مذكّراً بأن المادة 46 تفرض اقتصار عمليات الشراء بواسطة التعاقد المباشر، أو الاتفاقات الرضائية، على «الحاجات الأساسية والملحّة ضمن حدود تأمين هذه الضروريات»، على أن تقوم بها الإدارة المعنية «على كامل مسؤولياتها وفي حدود مصادر التمويل المتوفّرة وفي ظل رقابة هيئة الشراء العام اللاحقة». ويسمح قانون الشراء العام في مثل هذه الحالات بأن تتم تجزئة الصفقات على مراحل، إذ يمكن إجراء الشراء لمرات متعددة وإن شكّل ذلك تجزئة، «إلا أنها مبررة استثنائياً باعتبارات المصلحة العامة واستمرارية المرفق العام ضمن الحدود المنصوص عليها في المادة 14 من قانون الشراء العام» كما جاء في المذكرة.
من جهتها، وافقت الحكومة في جلستها الأخيرة على المذكرة 558 الصادرة عن رئيس هيئة الشراء العام. وفي الجلسة نفسها، وافق مجلس الوزراء على إصدار مرسوم يقضي بتعديل بعض السقوف المالية في قانون الشراء في المواد 11، و34، و37، و44. فرفع السقف المالي لوضع خطط الشراء من 5 مليارات ليرة، إلى 10 مليارات. وعدّل قيمة ضمان العرض من 2.5 مليار ليرة، إلى 5 مليارات، وزاد دفع قيمة العرض من 5 مليارات إلى 15 مليار ليرة، وطلب عروض الأسعار من 5 مليارات، إلى 15 مليار ليرة، والتعاقد بالفاتورة من 500 مليون ليرة، إلى 1.5 مليار ليرة.
واستندت الحكومة في موافقتها على إصدار هذا المرسوم أيضاً إلى «الظروف الاستثنائية»، وعلّلتها بـ«تمكين الإدارات العامة من تأمين المشتريات اللازمة لاستمرارية أداء مهامها». يذكر هنا أنّ هيئة الشراء العام كانت قد طلبت خلال العام الجاري رفع السقوف المالية للصفقات المسموح بإجرائها من خارج الهيئة. إذ أشار العليّة حينها إلى «عدم ملاءمة السقوف المالية لتلبية الحاجات الشرائية المتزايدة نظراً إلى انخفاض قدرة العملة الوطنية الشرائية، ما يفرض إجراءات شراء معقدة، حتى في الحالات البسيطة».
ورغم أن قرار مجلس الوزراء يمنح عدداً من الوزارات صلاحية تجاوز إجراءات «الشراء العام» بشكل استثنائي، إلا أن بعض الوزارات كان لديها استثناء سابق لم تطبقه وفوّتت فرصة إنهاء أعمال الصيانة، وشراء المستلزمات قبل أشهر من توسّع الأعمال العدوانية. فعلى سبيل المثال، أصدر وزير الصحة فراس أبيض في 8 آب الماضي القرار 1092، وبموجبه سمح بإخراج الأدوية من المرفأ والمطار من دون تفتيش لمدة شهر واحد بهدف تسريع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية، إلا أنّ المهلة انقضت من دون أن يطبق. أيضاً وزارة الأشغال حصلت على ضوء أخضر حكومي مدّته شهر واحد في نهاية تموز الماضي للقيام «بعقود شراء متصلة بالبنية التحتية للمطار والمرفأ، بواسطة الاتفاق الرضائي»، لكن الفترة انقضت، والأعمال لم تنفّذ. وعلى هذا المنوال، أصدر مجلس الوزراء قرارات تجدّد السماح للوزارات بالقيام بعقود رضائية لشهرين إضافيين.