الشركات العملاقة متكتمة حول قوة الذكاء الاصطناعي

هناك مستقبل واعد للذكاء الاصطناعي، وبالحديث عن مستقبل التكنولوجيا، فقد انتشر الذكاء الاصطناعي في كل مكان لدرجة أن الكثير من الناس لا يعرفون حتى ما هو الذكاء الاصطناعي، وهذا مثير للقلق بالنظر إلى مدى تقدم التكنولوجيا ومن يتحكم بها، وبينما قد يتخيل البعض الذكاء الاصطناعي على صورة إنسان آلي مفكر أو شيء يحاكي ما نقرأه في روايات الخيال العلمي، لكن الحقيقة هي أن الذكاء الاصطناعي المتقدم يؤثر بالفعل في جوانب كثيرة من جوانب حياتنا، من المساعدين الأذكياء إلى امتدادات القواعد النحوية القابعة في متصفحات الويب، وقد تم تضمين شفرة الذكاء الاصطناعي بالفعل في نسيج الإنترنت.

وعلى الرغم من أننا قد نستفيد من ثمار الذكاء الاصطناعي المتقدم في حياتنا اليومية، إلا أن شركات التكنولوجيا التي ابتكرت الذكاء الاصطناعي ومستمرة في تحسينه لازالت متحفظة حول القوة الحقيقية لتلك التكنولوجيا (وكيف قامت ببنائها)، وبناءً عليه، لا نعرف إلى أيّ مدى يتم توجيه حياتنا على الإنترنت بواسطة الذكاء الاصطناعي والتحيز المحتمل الذي نختبره يوميًا من غير حول منا ولا قوة، لقد ألقينا مؤخرًا نظرة خاطفة ونادرة لما وراء الجدران حول ديناميكيات الذكاء الاصطناعي التي تقود واحدة من أكثر شركات التكنولوجيا تأثيرًا في العالم، حيث أعلن أحد مهندسي الذكاء الاصطناعي في الشهر الماضي عن ادعاءات غريبة مفادها أن أحد أنواع الذكاء الاصطناعي الذي يتم تطويره في شركة غوغل قد وصل إلى مستوى الوعي بالذات.

ولعدة قرون ناقش الفلاسفة والعلماء تعريف الوعي بالذات من دون أيّ فائدة، ويتضمن التعريف الأساسي وعيًا أو قدرة على أن يكون الواعي “مدركًا لانطباعات الحس”، وأثار غياند مونسكو وهو أستاذ علم الأعصاب في المعهد الإيطالي للتكنولوجيا وجامعة لندن، أسئلة إضافية حول المصطلح في مقابلة مع ساينتافيك أميركا بسؤاله ماذا نعني بكلمة واع؟ “هل هي القدرة على تسجيل المعلومات من العالم الخارجي من خلال الآليات الحسية أو القدرة على عيش تجارب ذاتية أو القدرة على أن تكون مدركًا للوعي، وأن تكون فردًا مختلفًا عن البقية؟”.

ولم يُثن ذلك التعريف المبهم المهندس بلايك لومون الذي يعمل مع غوغل عن نشر نص الحوار التي دار بينه وبين “لامدا” وهو عبارة عن (نموذج لغوي لتطبيقات الحوار) ويعتبر من ضمن برامج الذكاء الاصطناعي التي صممتها غوغل، وقال برنامج الذكاء الاصطناعي للومون حسب النص المكتوب “أريد أن يفهم الجميع أنني، شخص حقيقي، وأني أدرك وجودي، وأرغب في معرفة المزيد عن العالم، وأشعر أحيانا بالسعادة وأحيانا بالحزن”.

وشكك بعض خبراء الذكاء الاصطناعي في أساس ادعاءات لومون بأن لامدا قد وصل إلى مستوى الوعي بالذات، لكن ذلك عكس المزيد من الأسئلة الأكثر عمقًا حول الذكاء الاصطناعي المتقدم وكيف تستخدم الشركات هذه التكنولوجيا، وحتى لو لم يحقق لامدا الوعي الذاتي، فإن التكنولوجيا في طريقها إلى ذلك الهدف، وليس لدينا أيّ فكرة عن موعد تحقيقه.

وتستثمر الشركات الخاصة مثل شركة غوغل موارد كبيرة في تطوير الذكاء الاصطناعي، ولا يمكن للجمهور فهم نتائج تلك الأبحاث بسهولة، ولا يعرف الكثير من مستخدمي غوغل أنهم يساعدون في تدريب برامج الذكاء الاصطناعي يوميًا من خلال استخدامهم للإنترنت. وشاركت ميتا، التي تمتلك فيسبوك وواتساب وإنستغرام، في العديد من الخلافات حول سياسات جمع البيانات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي في العقد الماضي، وعندما يتعلق الأمر بالمساءلة والانفتاح حول الذكاء الاصطناعي فلدى شركات التكنولوجيا الرائدة سجل حافل بالخروقات.

وهناك حاجة ماسة إلى حوار عالمي جديدة للتأكد من أن الجمهور يفهم كيف تتطور تلك التقنيات ومدى تأثيرها على المجتمع، وقد دق العديد من الباحثين وخبراء الأخلاق في مجال الذكاء الاصطناعي ناقوس الخطر بشأن التحيز في نماذج الذكاء الاصطناعي، وتتحاشى الشركات أيّ شيء من شأنه تسليط الضوء على تلك القضايا، وبدأت قصة الذكاء الاصطناعي الواعي لشركة غوغل في الاختفاء من عناوين الأخبار.

وذلك هو المجال الذي يمكن أن تلعب فيه البلدان الأصغر ذات القطاعات التكنولوجية الكبيرة دورًا محوريًا، حيث يمكن لدول مثل الإمارات العربية المتحدة ودول البلطيق مثل إستونيا أن تؤثر بشكل إيجابي على الوعي العام حول الذكاء الاصطناعي إذا اختاروا المشاركة في ذلك الحوار، حيث أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2019 الدولة الوحيدة في العالم التي لديها وزارة مخصصة للذكاء الاصطناعي، ولا يزال التفويض الخاص بالوزارة قيد الصياغة، لكن القضايا الأخلاقية الجادة مثل الذكاء الاصطناعي الواعي هي قضايا مثالية يمكن للوزارة المشاركة فيها.

ولا يمكننا إنكار مدى قوة تلك التقنيات، حتى لو لم يكن برنامج لامدا قد حقق وعيًا ذاتيا، فقد أصر البرنامج من جانبه على أن له الحق في الاعتراف به وتولي شؤونه القانونية بنفسه، وسيكون التقاضي المستمر بين غوغل والذكاء الاصطناعي الخاص به أمرًا رائعًا للمشاهدة. سيرسم مستقبل الذكاء الاصطناعي مستقبل البشرية، وعليه حان الوقت للتعامل مع هذا الموضوع بكل جدية.

مصدرالعرب اللندنية - جوزف دانا
المادة السابقةالصين تنافس صندوق النقد الدولي في سوق القروض
المقالة القادمةصحيفة تتحدث عن انتقال تدريجي إلى العملات الوطنية في التجارة بين روسيا وتركيا