تمثل صناديق الثروة السيادية أدوات استثمارية تابعة للحكومات تهدف إلى إدارة الفوائض المالية واستثماراتها بما يخدم الأهداف الإستراتيجية والتنموية، ولكنها كأي كيانات تبحث عن الأرباح والإيرادات، فإنها قد تلجأ إلى ممارسات للتحوط من تقلبات الأسواق عبر سياسة الإدارة النشطة.
برز توجه متزايد نحو الإدارة النشطة مؤخرا من قبل صناديق الثروة السيادية، في مسعى لتعظيم العوائد وتنويع مصادر الدخل، لاسيما في ظل تقلبات أسعار الطاقة والتحولات الاقتصادية العالمية المتسارعة.
وأظهر مسح أجرته شركة إنفيسكو لصناديق الثروة السيادية والبنوك المركزية التي تدير أصولا بقيمة 27 تريليون دولار، أن صناديق الثروة العالمية تتجه أكثر نحو الإدارة النشطة والاستثمار في الصين، بينما تنوّع المركزية احتياطياتها لمواجهة بيئة عالمية متقلبة.
والإدارة النشطة لصناديق الثروة تعني أن مديري هذه الكيانات يتخذون قرارات استثمارية مستمرة ومباشرة تهدف إلى تحقيق عوائد أعلى من السوق أو من مؤشر معياري معين، من خلال شراء وبيع الأصول بشكل استباقي بناءً على تحليلات مالية واقتصادية.
ومن الأمثلة على هذه الممارسات الاستثمار في أسهم شركات ناشئة واعدة مثل الذكاء الاصطناعي أو الطاقة المتجددة وشراء أصول في قطاعات معينة بناء على توقعات اقتصادية.
وإلى جانب ذلك التركيز على تسييل استثمارات عند وجود مؤشرات على تراجع السوق والدخول في شراكات إستراتيجية مع شركات عالمية.
وتلجأ بعض الصناديق إلى الإدارة النشطة لتعظيم العوائد على المدى الطويل وللاستفادة من الفرص الفريدة، ولتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على موارد مثل النفط ولدعم الإستراتيجيات الوطنية مثل تطوير التكنولوجيا أو البنية التحتية المحلية.
ويؤكد الخبراء أن التحول نحو الإدارة النشطة لا يأتي من فراغ، بل هو انعكاس لرغبة الدول في تنويع مصادر دخلها وتعزيز مكانتها الاقتصادية عالميا.
وبدلا من الاكتفاء بإدارة الأموال بطريقة سلبية، والتي تعتمد على تتبع مؤشرات سوقية دون تدخل بشري كبير، تفضل بعض الصناديق الآن اتباع نهج أكثر ديناميكية ومرونة، يسمح لها بالاستفادة من الفرص الاستثمارية الناشئة وتفادي المخاطر المحتملة.
ومع ذلك، لا يزال الدولار الأميركي هو العملة الرئيسية، حيث تقول غالبية البنوك المركزية إنه سيستغرق عقدين من الزمن لإزاحته عن عرشه، إن حدث ذلك أصلا، كعملة احتياطية رئيسية، على الرغم من المخاوف المتزايدة.
ونسبت رويترز إلى رود رينغرو، رئيس قسم المؤسسات الرسمية في إنفيسكو، قوله إن “المؤسسات التي تزيد أصولها عن 100 مليار دولار – أي المؤسسات الكبيرة نسبيا – هي الأكثر اهتماما بالتحول إلى الإدارة النشطة”.
وأضاف “بينما تُفضل الصناديق الإدارة السلبية في ظروف السوق المتوقعة، لم تعد الإدارة المتوقعة هي السائدة”. وتابع “أعتقد أن هذا يُشكل النهج بأكمله… في هذا التحول إلى الإدارة النشطة”.
وفي المتوسط، حققت صناديق الثروة نموا في عوائدها العام الماضي بلغت 9.4 في المئة، وهو ثاني أفضل أداء مشترك في تاريخ المسوحات التي تجريها إنفيسكو.
وليس هناك رقم دقيق موحّد للإيرادات الإجمالية أو العوائد النقدية (الربحية الفعلية بالدولار) لعام 2024، لأن الكثير من الصناديق لا تفصح عن ربحها الفعلي بالدولار، وإنما تنشر نسب العائد فقط.
وتعمل العديد من صناديق الثروة حول العالم، والتي يتصدرها صندوق الثروة النرويجي وتليه مؤسسة الاستثمار الصينية، بسرية، مما يُصعب تحديد حجم محافظها الاستثمارية بدقة.
ولكن الإحصائيات الرسمية تظهر أنه بنهاية العالم الماضي، بلغت الأصول الإجمالية المدارة من قِبَل الصناديق السيادية حوالي 13 تريليون دولار أميركي.
ومع ذلك، تصاعدت تقلبات السوق ومخاوف تراجع العولمة، وعلى مدى السنوات العشر المقبلة، تتركز المخاوف الكبرى حول تغير المناخ وارتفاع مستويات الديون السيادية.
وعلى سبيل المثال، يعتقد أكثر من 70 في المئة من البنوك المركزية الـ58 التي شملها المسح أن ارتفاع الدين الأميركي يؤثر سلبا على التوقعات طويلة الأجل للدولار.
ورغم ذلك، يعتقد 78 في المئة ممن استطلعت آراؤهم أن ظهور بديل موثوق للدولار سيستغرق أكثر من عقدين. ويمثل هذا قفزة من 58 في المئة العام الماضي.
في المقابل يرى 11 في المئة فقط من البنوك المركزية الآن أن اليورو يكتسب زخما مقارنة بنحو 20 في المئة العام الماضي.
وأُجري المسح بين يناير ومارس قبل إعلانات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الرسوم الجمركية في “يوم التحرير”، وفي ذروة الحماس الذي أحاط بظهور الذكاء الاصطناعي ديب سيك في الصين.
وتشهد صناديق الثروة انتعاشا ملحوظا في الاهتمام بالأصول الصينية، حيث يعتزم ما يقرب من 60 في المئة منها زيادة مخصصاتها هناك خلال السنوات الخمس المقبلة، وتحديدا في قطاع التكنولوجيا.
ويرتفع هذا الرقم إلى 73 في المئة في أميركا الشمالية على الرغم من تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة والصين، بينما لا يتجاوز 13 في المئة في أوروبا.
وأشار المسح إلى أن صناديق الثروة تتجه الآن نحو القطاعات الصينية القائمة على الابتكار بنفس “الإلحاح الإستراتيجي الذي كانت توجهه سابقا نحو وادي السيليكون”.
وأوضح رينغرو “هناك نوع من الخوف من تفويت الفرص”، وهو رأي “يدفعني إلى التواجد في الصين الآن” في ظل تحولها إلى رائدة عالمية في أشباه الموصلات، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، والمركبات الكهربائية، والطاقة المتجددة.
كما برز الائتمان الخاص كنقطة تركيز رئيسية للصناديق التي تبحث عن مصادر دخل بديلة وتعزيز المرونة. وقد اعتمده الآن 73 في المئة من صناديق الثروة، مقارنة بنحو 65 في المئة في العام الماضي، مع قيام نصفها بزيادة مخصصاتها بنشاط.
وذكر تقرير شركة إنفيسكو أن “هذا يمثل أحد أهم الاتجاهات الحاسمة في تخصيص الأصول السيادية”.
ويتزايد الاهتمام أيضا، لاسيما بين صناديق الثروة في الأسواق الناشئة، بالعملات المستقرة، وهي نوع من العملات المشفرة يرتبط عادةً بنسبة 1:1 (تعني أن هناك تكافؤا أو تساويا تاما) بالدولار.
وأشار ما يقرب من نصف الصناديق إلى أن العملات المستقرة هي نوع الأصول الرقمية التي تميل إلى الاستثمار فيها، على الرغم من أنها لا تزال أقل من عملات مثل بيتكوين، حيث بلغت حصتها 75 في المئة.



