انزلق الاقتصاد الصيني إلى الانكماش بعد انخفاض أسعار المستهلك للمرة الأولى منذ أوائل عام 2021، في أحد أقوى المؤشرات على التحديات التي تواجه صانعي السياسة وهم يكافحون من أجل إنعاش الاستهلاك.
ويتصاعد القلق من أن تكون الصين في صدد مرحلة من التباطؤ الشديد في النمو الاقتصادي تشبه ما تسمى بفترة «العقود الضائعة» في اليابان، التي شهدت ركوداً في أسعار المستهلكين والأجور على مدى جيل كامل، وهو ما سيتناقض بشكل واضح مع التضخم السريع في باقي دول العالم.
وانكماش الأسعار أو الانكماش المالي يسجَّل عند تراجع أسعار السلع والخدمات، وهو نقيض التضخم. وإن كان تراجع الأسعار يبدو مفيداً للقدرة الشرائية، إلا أنه يشكل خطراً على الاقتصاد ككل، إذ يحمل المستهلكين على إرجاء مشترياتهم بدل الإنفاق على أمل الاستفادة من تراجع إضافي في الأسعار.
كما أنه مع تراجع الطلب، تضطر الشركات إلى خفض إنتاجها وتجميد عمليات التوظيف أو حتّى تسريح موظفين، وتقر تخفيضات جديدة لتصريف مخزونها، ما يؤثر على مردودها مع بقاء تكاليفها بمستواها.
وفي حين أن انخفاض الأسعار في الصين قد يساعد في تخفيف الضغط التضخمي في أماكن أخرى حيث تصبح الصادرات الصينية أرخص، إلا أنها قد تصبح مصدر قلق آخر للاقتصاد العالمي. على سبيل المثال، يخاطر تدفق السلع الصينية منخفضة السعر بضغط أرباح المنتجين في بلدان أخرى والإضرار بفرص العمل.
وكان تعافي الصين تباطأ بعد الجائحة عقب بداية سريعة في الربع الأول مع ضعف الطلب الداخلي والخارجي، وفشل حزمة من السياسات الهادفة لتحفيز الاقتصاد في دعم النشاط.
ومن المقرر أن يؤدي الانتقال إلى الانكماش إلى تغذية الدعوات لمزيد من التحفيز الحكومي في وقت يواجه فيه صانعو السياسات أيضا تباطؤا في قطاع العقارات وضعفاً في التجارة، وكلها عوامل أثرت على الزخم الاقتصادي.
وأظهرت الأرقام التي أصدرها المكتب الوطني للإحصاء يوم الأربعاء، انكماش مؤشر أسعار المستهلكين 0.3 في المائة على أساس سنوي في يوليو (تموز)، مقارنة مع متوسط تقديرات بانخفاضه 0.4 في المائة في استطلاع أجرته «رويترز». وهذا هو أول انخفاض للمؤشر منذ فبراير (شباط) 2021.
وعلى أساس شهري، ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 0.2 في المائة خلال الشهر الماضي، في حين كان المحللون يتوقعون ارتفاعها بنسبة 0.1 في المائة، بعد تراجعها بنسبة 0.2 في المائة خلال يونيو (حزيران) الماضي.
وفي الوقت نفسه، هبط مؤشر أسعار المنتجين للشهر العاشر على التوالي بتراجعه 4.4 في المائة، وهو ما تجاوز التوقعات بانخفاضه 4.1 في المائة، وكان قد تراجع بنسبة 5.4 في المائة في يونيو.
والصين هي أول اقتصاد في مجموعة العشرين يسجل انخفاضاً على أساس سنوي في أسعار المستهلكين، منذ آخر مرة سجلت فيها اليابان قراءة سلبية لمؤشر أسعار المستهلكين العام في أغسطس (آب) 2021.
ويزيد هذا المخاوف إزاء تضرر الأعمال بين الشركاء التجاريين الرئيسيين. وشهدت الصين فترة قصيرة من انكماش الأسعار في نهاية 2020 ومطلع 2021، نجم عن انهيار أسعار لحوم الخنزير، اللحوم الأكثر استهلاكا في البلد. وتعود فترة انكماش الأسعار السابقة إلى 2009.
وقال غاري نغ، محلل أول الاقتصاد في ناتيكسيس لمنطقة آسيا والمحيط الهادي: «بالنسبة للصين، يبدو الفارق بين قطاعي التصنيع والخدمات واضحاً بشكل متزايد، مما يعني أن الاقتصاد سينمو بوتيرتين مختلفتين في بقية عام 2023 خاصة مع تجدد مشكلة العقارات». وأضاف «كما يظهر ذلك أن تعافي الاقتصاد الصيني الأبطأ من المتوقع ليس قويا بما يكفي لتعويض ضعف الطلب العالمي ويرفع أسعار السلع الأولية»، وفق «رويترز».
وتأتي البيانات بعدما أظهرت بيانات التجارة الصينية يوم الثلاثاء تراجع الصادرات والواردات في يوليو بوتيرة أسرع كثيرا من المتوقع. حيث هبطت الواردات 12.4 في المائة على أساس سنوي متجاوزة التوقعات بتراجع قدره خمسة في المائة في استطلاع أجرته «رويترز». وانخفضت الصادرات 14.5 في المائة، وهو ما يفوق التوقعات بتراجع يبلغ 12.5 في المائة، ويتجاوز الانخفاض المسجل الشهر السابق وقدره 12.4 في المائة.
وسجلت الواردات أكبر انخفاض لها منذ يناير (كانون الثاني) عندما تسببت الإصابات بفيروس «كورونا» في إغلاق المتاجر والمصانع وهو ما أدى إلى تهاوي الطلب المحلي.
ونما الاقتصاد الصيني بوتيرة ضعيفة في الربع الثاني من العام مع ضعف الطلب في الداخل والخارج، مما دفع كبار القادة إلى التعهد بتقديم مزيد من الدعم السياسي والمحللين إلى خفض توقعاتهم للنمو لهذا العام.
وقالت السلطات الأسبوع الماضي إن الإجراءات التحفيزية باتت وشيكة، لكن المستثمرين لا يشعرون بالحماس حتى الآن تجاه المقترحات التي تهدف لتعزيز الاستهلاك في قطاعات السيارات والعقارات والخدمات.
وتسعى بكين لإيجاد طرق لتعزيز الاستهلاك المحلي دون تيسير السياسة النقدية أكثر من اللازم؛ خشية أن يؤدي ذلك إلى خروج رؤوس أموال كبيرة من البلاد، في ظل اعتماد الاقتصادات الكبرى الأخرى على رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم.
ويؤثر هذا الوضع على النشاط الاقتصادي في باقي دول آسيا. وانخفضت صادرات كوريا الجنوبية إلى الصين 25.1 في المائة في يوليو مقارنة مع مستواها قبل عام لتسجل بذلك أكبر انخفاض في ثلاثة أشهر.