آثرت وزارة الصحة، في عزّ مواجهة غير متكافئة مع كارتيل الأدوية ومصرف لبنان، «ابتكار» حلولٍ تعفي المرضى من فقدان أدويتهم. فعملت على إيجاد صيغة تحثّ أصحاب شركات استيراد الدواء على تحرير الأدوية المخزّنة في مستودعاتهم وإحداث انفراجة ولو مؤقتة في سوق الدواء. قضت تلك الصيغة بتقسيم الأدوية وفق لائحتين تراعيان الأولويات، ضمت الأولى الأدوية المدعومة التي بقي العمل فيها يسير وفق آليّة الدعم التي وضعها المصرف المركزي، فيما ضمت الثانية أدوية خارج الدعم وهي في معظمها مما لا يحتاج إلى وصفة طبية، على أن تسعّر وفق سعر منصة خاصة بمؤشر الدواء، ويجري تعديلها كلما دعت الحاجة.
اليوم، يبلغ سعر مؤشر الدواء 16 ألفاً و460 ليرة. يعني ذلك أن الدواء الذي كان سعره 10 آلاف ليرة يُباع اليوم بـ 110 آلاف. ولئن كان وزير الصحة السابق، حمد حسن، قصد من ذلك التدبير استعادة المسار الطبيعي للدواء، إلا أن المستوردين وبعض الصيادلة كانوا في واد آخر. هكذا، لم يُعِد المؤشر الكثير من الأدوية المفقودة إلى رفوف الصيدليات، ولا التزم بعض الصيادلة بسعر المؤشر، فلجأوا إلى التسعير على أساس سعر الصرف في السوق الموازية. أما المشكلة الأبرز فتكمن في تحصيل المرضى لفواتيرهم لدى الجهات والصناديق الضامنة، وتحديداً الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إذ إن الفارق شاسع بين أسعار الأدوية على رفوف الصيدليات وأسعارها الدفترية في لوائح وزارة الصحة، من جهة، وبين لائحة مؤشر الأدوية في الصندوق التي لا تزال تحتسب سعر الدواء على أساس 1500 ليرة للدولار.
أما في ما يتعلق بالصناديق الأخرى، ومنها تعاونية موظفي الدولة، فقد عمدت هذه الأخيرة، بحسب المدير العام يحيى خميس إلى وضع استراتيجية «بناءً على دراسة شاملة أجرتها وبما تسمح به موازنتها، وتقضي بالدفع نحو اعتماد أدوية الجينيريك ويفضّل أن يكون صناعة وطنية إن وجد»، إضافة إلى «تحديد كمية استهلاك الأدوية، أي عدم المبالغة بالكميات المستخدمة»، وتشديد الرقابة والتدقيق في الفواتير المقدمة. أما الإجراء الأبرز الذي ستقوم به التعاونية فهو إعداد لائحة بـ«الأدوية التي ستلغى والتي لا تدفع مثل لوائح الضمان الاجتماعي، وهي في الغالب أدوية لا تستخدم بشكلٍ دائم أو لا تتكرر كثيراً». واستناداً إلى تلك الشروط، تعيد التعاونية للمرضى بدل قيمة الفاتورة، على أساس نسبة 75%، بالاستناد إلى مؤشر الأسعار الذي تصدره وزارة الصحة. وكانت التعاونية قد درست فكرة تخفيض نسبة الاستفادة إلى 50% والإبقاء على الاستفادة من الأدوية، إلا أن هذا الطرح سرعان ما شطب «لأننا لسنا في وارد إلغاء حق مكتسب للناس».
أما صناديق الأسلاك العسكرية ووزارة الصحة فتسعى إلى توفير الأدوية لمرضاها في المراكز الصحية التابعة لها. غير أن مشكلة تلك المراكز أنها منذ بداية الأزمة تعاني شحّاً في كثير من الأدوية وانقطاع في بعضها، ما يدفع المرضى للعودة إلى الصيدليات وشرائها بأسعار تفوق أحياناً الحد الأدنى للأجور.