سقطت الطاقة الشمسية سقوطاً مدوّياً خلال موجة الحر التي مرّ بها لبنان أخيراً. سماء ملبّدة بالغيوم حجبت أشعة الشمس بشكل شبه تام، وتسبّبت بهبوط إنتاج ألواح الطاقة الشمسيّة بنسبة 80%. البطاريات في البيوت شبه فارغة، والألواح لا تنتج الكهرباء الكافية حتى لتشغيل الأجهزة الأساسيّة في المنازل خلال النهار، وعدد غير قليل ممّن هجروا اشتراكات المولدات عادوا إليها. كذلك عادت المعامل التي زرعت سطوحها بألواح الطاقة إلى تشغيل المولدات.
«الفوضى المناخية التي نعيشها هي السّبب»، يقول خبير الأرصاد الجويّة المهندس علي جابر، فـ«الأيام التي تغيب فيها الشمس تماماً في لبنان زادت من 65 إلى 100 يوم تقريباً». وتسبّبت غيوم الصيف الكثيفة في «عزّ موسم الحرّ والشمس» في تخفيف عدد الأيام المشمسة من 300 إلى 200 يوم فقط، ما يعني انخفاض ساعات الاستفادة من ضوء الشمس بـ 600 ساعة، إذ تضاءلت الإضاءة الشمسيّة من 1800 ساعة إلى 1200 فقط في أحسن الأحوال.
اختفت الشمس تماماً، ورسبت الطاقة الشمسيّة في امتحان الاستدامة بامتياز. خلال موجات الحر المتتالية التي ضربت المنطقة، ترافقت الحرارة العالية مع نسب رطوبة مرتفعة، ما أدّى إلى انخفاض كبير في فعالية الألواح الشمسيّة. وبالتالي، «عادت الطاقة الشمسيّة إلى حجمها الطبيعي»، بحسب المهندس المختص في شؤون الطاقة هيثم إبراهيم، فـ«الأنظمة الشمسيّة وجدت للدعم، والمساعدة، والتخفيف من فاتورة الطاقة، لا لتحلّ بشكل تام مكان الكهرباء المنتجة بشكل تقليدي من المعامل الحراريّة أو المولّدات».
أمام هذا المشهد، تعود الفوضى التي شهدها السوق اللبناني إلى الواجهة. في الشهور الماضية، تمّ الإيحاء بأنّ الحل لتوليد الكهرباء هو «المبادرات الفرديّة»، فانتشرت ألواح الطاقة الشمسيّة على سطوح المنازل كالفطر، إلا أنّ عنوان الأيام الحارّة التي مرّت كان «موسم العودة إلى الاشتراكات»، فالطاقة الشمسيّة تسقط مع أول غيمة صيف، ومعها الحمل الكهربائي.
عادت العدّادات للعمل إذاً في البيوت التي لا يزال خط الاشتراك موجوداً فيها. «كنت قد نسيت وجود الاشتراك»، تقول ليلى قبل إعادة فتح الطريق أمام هذا الخط الكهربائي في منزلها. إلا أنّ المشكلة الأكبر وقع فيها أصحاب المنازل الذين دفعتهم الحماسة إلى قطع كل من الاشتراك والتيار الرسمي للتخفيف من الفواتير والاشتراكات، فما كان الحلّ إلا بـ«الطلب والتمني» من صاحب المولّد في الحي إعادة وصل ما انقطع، و«ما إن عرف الأخير مكانته حتى تدلّل»، يقول حسن القاطن في منطقة المريجة في الضاحية الجنوبية الذي «تكلّف ثمن إعادة الوصل مضاعفاً، ولكنّني مضطر بسبب غياب الكهرباء بشكل تام في الأيام الماضية».
حاسمة أتت إجابة مهندسي الطاقة بـ«عدم إمكانية الاعتماد الكلّي على الموارد المتجدّدة في إنتاج الكهرباء». الحمولة الأساسية، أو ما يعرف تقنياً بـ«base load»، من الكهرباء لا يعتمد فيها على الموارد المتجدّدة، مهما كانت: مياهاً أو شمساً أو رياحاً. بحسب أحد المهندسين في مؤسسة كهرباء لبنان، «الحمل الأساسي من الكهرباء يجب أن يستخدم في إنتاج المعامل الحرارية لثبات إنتاجيتها، وعدم تأثرها بالظروف المناخية». مثلاً، إن كانت حاجة لبنان الأساسية من الطاقة هي 1500 ميغاواط ساعة، وخلال ساعات الذروة، ترتفع إلى حدود 2000 ميغاواط ساعة، فالحمل الأول يكون على الوسائل التقليديّة في الإنتاج، فيما تستخدم الموارد المتجدّدة لإدخال 500 ميغاواط ساعة الإضافية. أمّا قيمة الحمل الأساسي من الطاقة في لبنان اليوم، فـ«لا إمكانية لتحديدها بسبب دخول محطات الطاقة الشمسيّة المنزلية على خط الإنتاج، وفي ظل الوضع المهترئ تماماً للشبكة والمعامل»
من جهة أخرى، الاعتماد الكامل على الطاقة المتجدّدة كما جرى الترويج له لبنانياً، «دونه مخاطر كبيرة بسبب تأثر وسائل الإنتاج هذه بعوامل طبيعية لا يمكن السيطرة عليها». ولإعطاء مثال على ذلك، أشار إلى «أنّ سماءً ملبدةً بالغيوم، كما جرى في الأيام الماضية، أخرجت ما يقارب 1000 ميغاواط ساعة من الطاقة عن الخدمة، ولو كانت هذه الطاقة موجودة على الشبكة لأخرجت كلّ معامل الكهرباء عن الخدمة بسبب تحويل الثقل كلّه بلحظة واحدة نحو المولّدات الحراريّة». أما النسبة المقبولة من الطاقة المتجدّدة، فـ«تراوح بين 25 و30% على أبعد حدّ من مجمل الطاقة المنتجة». ولكن، لوسائل إنتاج الكهرباء عبر الموارد المتجدّدة إيجابيات، أهمّها «تخفيض فاتورة الفيول المستورد، وبالتالي زيادة الأمن الطاقوي مع تقليص استنزاف العملة الأجنبيّة لتأمين المحروقات، بالإضافة إلى تخفيض الانبعاثات الكربونيّة».
أمّا استخدام الطاقة الشمسيّة حصراً لتشغيل المعامل الصناعية الضخمة، فيصفه صاحب مصنع إعادة تدوير معادن بـ«المستحيل، إذ لا يمكن الاستغناء عن المولّدات التقليديّة العاملة على الوقود الأحفوري، فالآلات الصناعية تحتاج إلى كميّة كهرباء كبيرة»، والكهرباء المنتجة عبر الموارد المتجدّدة «كلفتها عالية، وغير مضمونة».