لبنان، البلد الذي يتمتع بتراث ثقافي غني وقطاع مالي كان مزدهراً، يجد نفسه عند منعطف حرج.
كانت الأزمة الاقتصادية الحادة، التي تفاقمت بسبب عدم الاستقرار السياسي والتوترات الإقليمية، سبباً في ظهور الحاجة الملحة إلى إعادة هيكلة البنوك. يتطرق هذا المقال إلى التحديات المعقدة التي يواجهها القطاع المصرفي في لبنان وضرورة إعادة الهيكلة الاستراتيجية لاستعادة الاستقرار وتمهيد الطريق للتعافي المستدام.
نشأة الأزمة: تنبع المشاكل الاقتصادية في لبنان من مجموعة من العوامل، بما في ذلك ارتفاع مستويات الدين العام، والقطاع المصرفي الهش، والفساد المتفشي، والجمود السياسي. أصبح ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي، وهو حجر الزاوية في السياسة النقدية للبلاد، غير مستدام. ما أدى إلى انخفاض حاد في قيمة العملة والتضخم المفرط. وأدى هذا بدوره إلى تآكل ثقة الجمهور وزيادة الضغط على النظام المصرفي الهش بالفعل.
إعادة بناء الثقة: إن استعادة ثقة الجمهور في القطاع المصرفي أمر بالغ الأهمية. ويتعين على البنوك أن تنفذ تدابير الشفافية، وتعالج المخاوف المتعلقة بإمكانية الوصول إلى الودائع، وإظهار الالتزام بالممارسات الأخلاقية.
الرسملة وإعادة الرسملة: يعاني العديد من البنوك اللبنانية من عدم كفاية احتياطيات رأس المال. وينبغي لجهود إعادة الهيكلة أن تركز على ضخ رؤوس أموال جديدة، ربما من خلال التعاون مع المؤسسات المالية الدولية أو مستثمري القطاع الخاص.
مراجعة جودة الأصول وتسوية الديون السيئة: يعد إجراء تقييم شامل للأصول والالتزامات أمراً بالغ الأهمية. وسيكون تحديد وحل القروض المتعثرة أمراً محورياً في استقرار الصحة المالية للبنوك. أما بالنسبة للمحافظ المستثمرة مع مصرف لبنان فيجب أن تتم تسوية فوائد الهندسات المالية بشطبها.
التنويع وإدارة المخاطر: ويتعين على البنوك أن تستكشف الفرص المتاحة لتنويع محافظها الاستثمارية بما يتجاوز القطاعات التقليدية، والحد من الاعتماد على العقارات والدين العام. بالإضافة إلى ذلك، تعد ممارسات إدارة المخاطر القوية ضرورية للتغلب على الظروف الاقتصادية المتقلبة.
تعزيز الرقابة التنظيمية : وسيكون تعزيز الأطر التنظيمية وآليات الإشراف أمراً حيوياً في ضمان الامتثال للمعايير الدولية وتعزيز مرونة القطاع المصرفي.
المحاسبة : استرداد الودائع المهربة وشطب الودائع غير القانونية.
التحول الرقمي: إن احتضان التقدم التكنولوجي أمر ضروري للمصارف اللبنانية لتظل قادرة على المنافسة. يمكن للرقمنة أن تعمل على تحسين الكفاءة التشغيلية، وتعزيز تجارب العملاء، وتوسيع نطاق الوصول، خاصة في عالم ما بعد الوباء.
التعاون والتوحيد: وينبغي النظر في عمليات الاندماج أو الشراكة المحتملة بين البنوك. وقد يؤدي هذا إلى تحقيق وفورات الحجم، وتحسين تقاسم المخاطر، وزيادة القدرة على التغلب على حالات عدم اليقين الاقتصادي.
دور الدعم الدولي: يمكن للمؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والشركاء الإقليميون، أن تلعب دوراً حاسماً في دعم جهود إعادة هيكلة البنوك اللبنانية. وستكون خبراتهم ومساعداتهم المالية وتوجيهاتهم في تنفيذ الإصلاحات الشاملة مفيدة في تحقيق استقرار الاقتصاد واستعادة ثقة المستثمرين.
كما ستساعد في المفاوضات مع حاملي السندات بتسويتها وحسم ربما 75% من قيمتها كما فعلت اليونان لنعود من جديد الى الاسواق المالية العالمية.
يواجه القطاع المصرفي في لبنان تحديات هائلة، ولكن من خلال الجهود الاستراتيجية والمتضافرة، يصبح الطريق إلى التعافي ممكناً. إن حتمية إعادة هيكلة البنوك لا تتعلق فقط بالسلامة المالية، بل تتعلق أيضاً بإعادة بناء أساس الثقة والاستقرار الذي يعتمد عليه مستقبل لبنان الاقتصادي. من خلال العمل الحازم والتعاون الدولي، يمكن لمصارف لبنان أن تخرج من هذه الأزمة أكثر مرونة ومستعدة لتحقيق النمو المستدام.