العالم يواجه صعوبة في وقف إهدار ثروات الغاز المصاحب

رغم التقدم التكنولوجي والتعهدات البيئية العالمية، لا يزال العالم عاجزًا عن كبح جماح واحدة من أكثر الممارسات إهدارًا للثروة في صناعة الطاقة ألا وهي حرق الغاز المصاحب، في ظل عدم اهتمام شركات القطاع بشكل ملموس بضخ استثمارات للاستفادة من هذا المورد وضعف اللوائح الملزمة لوضع حد لهذه المشكلة.

تتصاعد التحذيرات من الآثار البيئية والاقتصادية لعمليات الحرق في صناعة الطاقة، التي تُهدر خلالها كميات هائلة من الغاز الطبيعي المصاحب لاستخراج النفط، بدلاً من استغلالها كمصدر طاقة نظيف نسبيًا.

وتشير أحدث البيانات إلى أن هذه الظاهرة لا تزال مستمرة بل آخذة في التفاقم في بعض المناطق، ما يكشف عن فجوة واضحة بين الخطاب المناخي والتطبيق الفعلي على الأرض.

وحرق الغاز هو حرق الغاز الطبيعي المرتبط باستخراج النفط. تمارس شركات النفط هذه الممارسة منذ أكثر من 160 عاما، نظرا لقلة الحوافز المالية المتاحة لالتقاط الغاز المُهدر.

وعلى الرغم من الوعود الكبيرة التي قطعتها شركات النفط الكبرى للحد من حرق الغاز، لا تزال هذه الممارسة تُمثل مشكلة رئيسية، وتُسهم في ارتفاع مستويات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وتهدف وكالة الطاقة الدولية والعديد من الحكومات إلى تحقيق تحول عالمي أخضر، لكن إزالة الكربون من بعض القطاعات، مثل صناعة النفط، تُثبت صعوبتها البالغة.

وترى الباحثة فيليسيتي برادستوك التي تكتب لمنصة “أويل برايس” الأميركية أنه إذا استمر حرق الغاز، فقد يُؤثر ذلك سلبا على وتيرة التحول الأخضر.

وقد سمحت اللوائح المتساهلة في هذا القطاع للشركات بمواصلة حرق الغاز لفترة طويلة حتى عندما كان معروفا بتلويثه الشديد.

ويتم حرق نحو 151 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، وهو ما يعادل الكمية اللازمة لتزويد أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بالطاقة.

ويطلق حرق الغاز سنويًا قرابة 400 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ما يفوق ما تطلقه دول بأكملها.

وبالإضافة إلى ذلك، يُطلق حرق الغاز انبعاثات غاز الميثان، التي تُسهم بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث إن غاز الميثان أقوى بأكثر من 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون كغاز مُسبب للاحتباس الحراري على مدى 20 عاما.

ومارست الحكومات والمنظمات الدولية ضغوطًا متزايدة على شركات النفط لوقف حرق الغاز والاستعاضة عنه بحرق الغاز، وذلك لمنع التلوث غير الضروري في الغلاف الجوي. وقد تستخدم شركات النفط أيضًا هذا الغاز المُلتقط لأغراض إنتاجية، مثل توليد الطاقة.

وتُلزم مبادرة البنك الدولي “القضاء التام على حرق الغاز الروتيني”، والتي أُطلقت في العام 2015، الحكومات وشركات النفط بإنهاء حرق الغاز الروتيني في موعد أقصاه عام 2030.

وتؤيد هذه المبادرة حاليًا 36 دولة و60 شركة نفط وغاز. كما دعت وكالة الطاقة الدولية إلى إنهاء جميع عمليات حرق الغاز، باستثناء حالات الطوارئ، بحلول عام 2030.

ووفقًا لتقرير حديث صادر عن البنك الدولي، والذي استخدم بيانات الأقمار الاصطناعية لتقدير الغاز المحترق، أطلقت صناعة الوقود الأحفوري 389 مليون طن إضافية من الكربون في الغلاف الجوي عام 2024 نتيجةً لأنشطة حرق الغاز.

ويمثل هذا كمية هائلة من هدر الوقود، بالإضافة إلى تلوث غير ضروري. ووفقًا للتقرير، فقد ارتفع حرق الغاز العالمي للعام الثاني على التوالي ليصل إلى أعلى مستوى له منذ عام 2007.

وقال زوبين بامجي مدير الشراكة العالمية للحرق وخفض انبعاثات الميثان (جي.أف.أم.آر) التابعة للبنك الدولي إن “الحرق إهدارٌ لا داعي له. إنه فرصةٌ ضائعة لتعزيز أمن الطاقة وتحسين الوصول إلى طاقة موثوقة”.

ويشكو الكثيرون من ضعف اللوائح المتعلقة بحرق الغاز وسوء تطبيقها، مما يعني أن معظم الشركات حول العالم لا تحفز نفسها على الاستثمار في احتجاز الغاز، وبالتالي تستمر في حرقه.

ووفقا للتقرير، كانت تسع دول هي روسيا وإيران والعراق والولايات المتحدة وفنزويلا والجزائر وليبيا والمكسيك ونيجيريا مسؤولة عن ثلاثة أرباع إجمالي حرق الغاز في العام الماضي. ومعظم هذه الدول لديها شركات نفط مملوكة للدولة.

وفي الوقت نفسه، فإن كثافة حرق الغاز في النرويج، التي استثمرت بكثافة في التحول إلى إنتاج نفط منخفض الكربون، أقل بواقع 18 مرة من مثيلتها في الولايات المتحدة وأقل بنحو 228 مرة من مثيلتها في فنزويلا.

وفي منطقة ألبرتا الكندية المنتجة للنفط، تجاوز حرق الغاز في عام 2024 الحد الذي فرضته المقاطعة ذاتيًا للعام الثاني على التوالي، وفقًا لبيانات من رويترز.

وحقق إنتاج ألبرتا من النفط الخام رقمًا قياسيًا العام الماضي عند 1.5 مليار برميل، بزيادة قدرها 4.5 في المئة بمقارنة سنوية، في إطار سعيها لتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة المجاورة في مجال الطاقة.

وفي يونيو الماضي، أعلنت هيئة تنظيم الطاقة في ألبرتا أنها ستنهي الحد الأقصى للحرق، بناءً على توجيهات من حكومة المقاطعة.

وتشير تقديرات رويترز إلى أن شركات النفط والغاز في ألبرتا في المقاطعة حرقت ما يقرب من 912.7 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي في عام 2024، وهو ما يزيد بنسبة 36 في المئة عن الحد السنوي للمقاطعة البالغ 670 مليون متر مكعب.

ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، تُقدر قيمة الغاز المحترق اعتبارًا من عام 2024 بنحو 63 مليار دولار بأسعار استيراد الاتحاد الأوروبي العام الماضي، وهو ما يعادل أكثر من نصف التكاليف الأولية اللازمة لوقف هذه الممارسة تمامًا.

ومع ذلك، تقول برادستوك إن أغلب البلدان لا تزال تفتقر إلى الإرادة السياسية والضغط التنظيمي لتنفيذ الحلول، لكن بعض الدول حققت تحسينات جذرية في مستويات حرق الغاز لديها.

وخفضت دول مثل أنغولا ومصر وإندونيسيا وكازاخستان مستويات حرق الغاز في السنوات الأخيرة. ونجحت كازاخستان في خفض مستويات حرق الغاز بنسبة 71 في المئة منذ عام 2012 من خلال فرض غرامات باهظة على الشركات التي تخالف القواعد.

وفي حين التزمت العديد من الدول وشركات النفط بخفض مستويات حرق الغاز في السنوات الأخيرة، لا يزال الكثير منها يمارس أنشطة حرق الغاز، مع وجود حافز ضئيل للاستثمار في حلول بديلة.

ومن المرجح أن تنخفض مستويات حرق الغاز فقط إذا فرضت الحكومات حول العالم لوائح أكثر صرامة على الشركات التي تمارس هذا النوع من الحرق.

وفي الوقت نفسه، سيساهم استمرار ممارسة حرق الغاز بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري، مما سيؤثر سلبًا على التقدم العالمي في مجال التحول الأخضر.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةاعتماد مقاربة دولية شاملة ضرورة لتنظيم الذكاء الاصطناعي
المقالة القادمةلعبة رسوم ترامب ضد النفط الروسي تهدد اقتصاد العالم