يقدر خبراء ونواب في البرلمان العراقي حجم الكتلة النقدية الموجودة لدى الأهالي في منازلهم بنحو 35 ترليون دينار عراقي، (ما يعادل 28 مليار دولار)، تراكمت بسبب ضعف الثقة بالقطاع المصرفي، وتواضع الإجراءات التي تمكنهم من الوصول إلى أموالهم في أي وقت مع تكرار العطل الرسمية وزيادة الإجراءات الأمنية.
وجاءت حادثة انهيار قطاع المصارف في لبنان لتعزز هذه القناعة لدى العراقيين أخيرا بشأن تجنب الإيداع بالبنوك وتركها في منازلهم بطرق إخفاء آمنة أو نقل مدخراتهم لدول أكثر استقرارا من ناحية مالية.
ويقول النائب في البرلمان العراقي رياض المسعودي، لـ”العربي الجديد”، إن “الكتلة النقدية بالعملة المحلية كبيرة جداً تصل إلى 100 تريليون دينار، منها نحو 35 ترليون دينار (الدولار = 1222 ديناراً)، موجودة لدى الأهالي، ولو كان هناك نظام مصرفي وثقة متبادلة واستقرار أمني وسياسي في البلاد لكانت نحو 90 بالمائة من هذه الأموال مودعة الآن في البنوك”.
وأضاف: “في حالة إيداع هذه الأموال في المصارف سيكون بإمكان الحكومة أن تستثمر هذه الأموال في مشاريع مهمة، مثل الطرق والموانئ والسكن والبنية التحتية”.
ووفق المسعودي، فإن “المشكلة الأكبر هي أن الكتلة النقدية الموجودة لدى المصارف العراقية الخاصة قتلتها الحكومة، حيث قامت بالاقتراض منها لدفع المرتبات للموظفين والمتقاعدين، وتوجد حالياً مصارف عراقية كثيرة غير قادرة على إقراض الحكومة لأنها لا تمتلك كتله نقدية تمكنها من الاستمرار إذا قدمت القروض المطلوبة في ظل تواصل الأزمة المالية”، لافتا إلى أن المشكلة تتمثل في عدم وجود نظام معتبر للسيطرة على حركة الأموال في البلاد.
ومع اشتداد الأزمة المالية في العراق إثر انهيار أسعار النفط، اتجهت الحكومة إلى الاقتراض من البنوك المحلية لتمويل الموازنة التشغيلية كدفع المرتبات للمتقاعدين والموظفين والعسكريين وشبكة الرعاية الاجتماعية والنفقات الضرورية كتمويل محطات الكهرباء والماء والعمليات العسكرية ضد الإرهاب، والتي تقدر إجماليها بنحو 7 تريليونات دينار شهريا.
وأقر البرلمان ذلك للحكومة بتصويته على قانون الاقتراض الداخلي والخارجي للحكومة، إلا أن حكومة الكاظمي لم تقترض لغاية الآن من الخارج واستمرت في الاستدانة من البنوك، وسط مخاوف من عدم قدرة البنوك على تلبية حاجة الحكومة من القروض طويلا.
وفي وقت سابق، دعا البنك المركزي العراقي المواطنين لإيداع أموالهم في المصارف بدلا من الاحتفاظ بها في البيوت والشركات.
عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي أحمد مظهر الجبوري، وصف الثقة بين المواطن والحكومة بأنها “صفر”، مضيفا في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الفترات الماضية، ومن خلال تجارب عديدة بين المواطنين والحكومة، ولّدت هذه الحالة، واليوم لو كنت أمتلك مبلغ 10 مليارات دينار مثلا وأودعها في البنك فإنني عندما أحاول سحبه لن أتمكن من ذلك في اليوم نفسه ولا بموعد قريب”.
وتابع: “نعم هناك أزمة ثقة، وهي ليست وليدة اليوم أو الأمس بل منذ عام 2004 ولغاية اليوم، فهناك مشكلة بين المواطن والحكومة والعملية السياسية. والمواطن فاقد الثقة تماماً بالحكومة والسياسيين وحتى الموظفين، لذلك أعتقد أن المرحلة الحالية حرجة ونحتاج لفترة ليست بقليلة حتى تستطيع الحكومة إعادة الثقة مع الشعب العراقي”.
مدير سابق لأحد فروع المصارف العراقية ببغداد، هو علي الصفار، يؤكد لـ”العربي الجديد”، وجود أزمة حالية لدى عدة مصارف مهمة في توفير السيولة النقدية للحكومة التي تطلبها لدفع مرتبات الموظفين.
ويضيف أن هناك قرارات سببت عزوف المواطنين عن إيداع ما لديهم بالبنوك، منها أن أموالهم لا يمكن سحبها مرة واحدة بل على عدة دفعات وقد تكون على فترات متباعدة.
وتابع: “غالبية المصارف الأهلية اليوم إما تابعة لأحزاب أو شخصيات سياسية نافذة، وهناك عدد منها بات تحت طائلة العقوبات الأميركية أو تحت وصاية البنك المركزي بسبب إفلاسها، لذا العراق فعليا ورغم وجود عشرات المصارف، لا يوجد فيه غير سبعة أو ثمانية مصارف أهلية يعتد بها، إضافة إلى مصرفي الرشيد والرافدين الحكوميين”.
مواطنون أعربوا عن مخاوفهم من قطاع البنوك بسبب جملة من الأوضاع قالوا إنها تحول دون ثقتهم به. وحسب المواطنة أميرة حسان، فإنها تفضل ترك أي مبلغ في منزلها وحفظه بطريقة آمنة بالعملة الأجنبية، الدولار، أو المحلية عوضا عن تركه في البنك، بسبب تجربة مزعجة سابقة لها، إذ أودعت مبلغا من المال، وعندما قررت شراء منزل رفض البنك منحها المبلغ كاملا مرة واحدة، بل قسطه على عدة أشهر عبر دفعات.
وتعتبر أميرة حسان أنه رغم المخاوف من السرقة ومن عصابات السطو المسلح، لكن حفظ المبلغ بطريقة محكمة في المنزل يبقى الأنسب للمواطن.