العلاقة مع البنوك المراسلة مستقرّة حالياً… ولكن!

تُعتبر البنوك المراسلة بمثابة بوابة المصارف التجارية اللبنانية على العالم، فهي التي تؤدي دور الوسيط المالي بين لبنان والخارج في مختلف التحويلات المالية من وإلى لبنان، وفي كافة المعاملات التجارية التي تستوجبها عمليات الاستيراد والتصدير. ولطالما كانت علاقة المصارف اللبنانية مع البنوك المراسلة تعتمد على التصنيف الائتماني الجيّد نسبياً الذي كانت تتمتّع به المصارف اللبنانية قبل مرحلة اندلاع الأزمة في تشرين 2019.

تبدّلت تلك العلاقة بعد هذا التاريخ، الذي تبعه خفض التصنيف الائتماني للبنان الى متعثر، وبالتالي لتصنيف مصارفه التجارية التي تحمل الجزء الأكبر من سنداته السيادية، فأصبحت العلاقات مع البنوك المراسلة تتدهور تدريجياً مع تدهور الوضع المالي والنقدي والمصرفي في لبنان، وصولاً الى قطع جزء من المراسلين علاقتهم مع بعض البنوك اللبنانية، بينما حافظت البنوك الكبرى على علاقة ولكن متحفّظة مع مراسليها، بناء على التزامها بالمعايير الدولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب أوّلاً، وقدرتها المالية على تمويل العمليات سلفاً.

ومع ازدهار الاقتصاد النقدي الذي يشكّل بيئة مؤاتية لنمو عمليات تبييض الأموال، أصبحت البنوك المراسلة تتشدّد أكثر وأكثر في تعاملاتها مع المصارف التجارية اللبنانية وفي شروط إنجاز التحويلات المالية لناحية تشديد التدقيق في كلّ عملية مالية بين لبنان والخارج.

وبالتالي، باتت العلاقة مع المصارف اللبنانية تقف على حافة الهاوية، خصوصاً مع ترقب صدور تقرير مجموعة العمل المالي الدولية FATF حول لبنان قريباً جدّاً، والذي رجّحت مصادر مطّلعة إمكانية وضع لبنان على “القائمة الرمادية” للدول الخاضعة لرقابة خاصة بسبب ممارسات غير مرضية لمنع تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، أو في أحسن الأحوال قد تضعه “فوق عتبة القائمة الرمادية بعلامة واحدة”.

جبيلي: ستظهر نقاط القوة والضعف

من هنا اعتبر المسؤول عن الشؤون القانونية والالتزام في بنك عوده، ورئيس لجنة الامتثال في جمعية المصارف شهدان جبيلي أن تقرير الـFATF المتوقّع صدوره قريباً سيظهر نقاط القوّة ونقاط الضعف التي يتوجّب على لبنان معالجتها بجديّة. موضحاً لـ”نداء الوطن” أن المصارف الكبرى لم تخسر بنوكاً مراسلة كانت تتعامل معها وما زالت تحتفظ بعلاقتها الجيّدة معها، علماً أن بعض المصارف التجارية التي كانت عملياتها مع البنوك المراسلة ضئيلة، هي التي خسرت تلك العلاقة في حين أن بعض الحالات الخاصة مثل رفع دعاوى قضائية ضد بعض المصارف واتّهامها بالضلوع بعمليات تبييض أموال هو الذي أدّى الى قطع علاقة البنوك المراسلة معها.

وفيما أشار جبيلي الى أن العلاقة مع البنوك المراسلة الأساسية مثل “جي بي مورغان” و”سيتي بنك” و”بنك اوف نيويورك” و”ستاندرد شارترد” ما زالت لغاية اليوم على حالها، لفت الى أن استمرار الأزمة دون معالجة وازدهار الاقتصاد النقدي وعدم محاربة الفساد من قبل السلطات الرسمية، جميعها عوامل قد تؤدي لاحقاً الى رفع درجة المخاطر التي تتعرض لها البنوك المراسلة لدى تعاملها مع المصارف اللبنانية.

وأوضح أن العلاقة اليوم مع البنوك المراسلة تتّسم بتشديد التدقيق على العمليات، وطرح علامات استفهام حولها وهو الأمر الذي تلبّيه المصارف، بالإضافة الى تطبيق مبدأ “إعرف عميلك KYC” و”إعرف العمليات” لأن المراسلين على دراية بواقع الاقتصاد النقدي وعدم إمكانية تتبّع السيولة النقدية في السوق عبر النظام المصرفي، ما يزيد من حجم المخاطر التي تتعرّض لها البنوك المراسلة في تعاملاتها مع المصارف اللبنانية. ورأى جبيلي أن الحفاظ على علاقة المصارف مع البنوك المراسلة “ولو على حافة الهاوية” ليس هو الحلّ، مشيراً الى فقدان التسهيلات المالية التي كانت تتمتع بها تلك العلاقة لناحية تمديد مدّة الاعتمادات المالية التي لم تعد قائمة اليوم، والتي استبدلت بضرورة تمويل العمليات مسبقاً.

على أساس نقدي

وفي هذا السياق، أشارت مصادر مصرفية الى أن البنوك المراسلة تتعامل مع المصارف اللبنانية على أساس نقدي وعلى أساس بياناتها حول عملائها المعروفين بمصداقيتهم وسجلهم المالي وتحاول قدر المستطاع الاستغناء عن العمليات المحفوفة بالمخاطر (DERISKING) أو التي تعتبر مخاطرها أكبر من جدواها الاقتصادية على قاعدة “لا تنام بالقبور ولا تشوف منامات وحشة”، إلا أنه رغم ذلك، فبعض البنوك المراسلة مثل “جي بي مورغان”، HSBC، و”بنك أوف نيويورك” ما زالت تحافظ على علاقة جيّدة مع المصارف اللبنانية الكبرى، علماً أن عدد المراسلين تقلّص بشكل لافت منذ اندلاع الأزمة.

وأكّدت المصادر أن قطع البنوك المراسلة علاقتها بشكل كامل مع بعض البنوك ليس صحيحاً، وفي حال حصوله فهو لن يعيق عملها، لأن أي مصرف يمكنه إنجاز التحويلات المالية الى الخارج عبر مصرف لبناني آخر على علاقة مع مراسلين في الخارج.

خلف: لا جديد منذ عام

من جهته، أكد الأمين العام لجمعية المصارف فادي خلف أن علاقة المصارف اللبنانية مع البنوك المراسلة ما زالت جيّدة حالياً وعلى حالها “ولم نشهد في الآونة الأخيرة أي منذ حوالي العام، قطع علاقة أي مراسل بمصرف لبناني، كما ولم تتلق جمعية المصارف أي شكوى في هذا الإطار”. لافتاً الى أنه لا يمكن الحديث حالياً عن مخاطر مقبلة قد تهدّد علاقة المصارف بالمراسلين لأن لبنان لم يصنف على القائمة الرمادية من قبل الـFATF. كما أشار خلف الى أن الاتهامات التي تعرّضت لها بعض البنوك والمتعلّقة بتبييض الأموال، أثارت مخاوف من إمكانية قطع المراسلين علاقاتهم مع مصارف لبنان، إلا أنه اتّضح لاحقاً أن تلك العلاقة لم تتأثر وحافظت على طبيعتها.

مصدرنداء الوطن - رنى سعرتي
المادة السابقةرهان “المنظومة”: التدقيق الجنائي على خطى “الإبراء المستحيل”!
المقالة القادمةسلامة قبل رحيله يثبت مجزرة السحوبات المقنّنة والهزيلة من الودائع