تقاعست شركات مقدّمي الخدمات عن القيام بمهامها منذ العام 2012، رغم وجود التمويل الكافي في ظل استقرار الأوضاع المالية للبلاد، وتعمدت التهرُّب من المسؤوليات، وفي مقدّمها إنجاز خطة تركيب العدادات الذكية وربطها بغرفة التحكّم الإلكتروني، وهو المهمّة الأساسية الذي ابتُكِرَ إثرها مشروع مقدّمي الخدمات.
استفادت الشركات من غض بصر مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة عن كل التجاوزات. حتى أن بعض الملفات التي وصلت إلى أدراج التفتيش المركزي، بقيت هناك ولم تُفتَح على الطاولة. وأخيراً، بات الملف في عهدة النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم، الذي قرَّرَ في شهر آب الماضي، ختم شركة KVA بالشمع الأحمر، كجزء من إجراءات التحقيق في ملف شركات مقدّمي الخدمات، بدءاً من ملفّ العدادات الذكية. فما هي المستجدّات وكيف ستواجهها الشركات؟
إعطاء مهلة “قصيرة”
مع أن القاضي ابراهيم رَفَعَ أختام الشمع الأحمر عن شركة KVA التابعة لشركة خطيب وعلمي، إلا أنه لم يُقفل الملف، بل استكمل تحقيقاته التي تتجاوز العدادات الذكية وصولاً إلى عدم الإيفاء بتعهّدات الشركة، إلى جانب الشركات الباقية ضمن مشروع مقدمي الخدمات، وهي شركة NEU التابعة لشركة دبّاس، وشركة BUS التابعة لشركة نزار يونس، بالإضافة إلى شركة مراد التي أضيفت إلى المشروع بلا مناقصة.
وفي مستجدات التحقيق، تؤكّد مصادر قضائية لـ”المدن”، أن التحقيق مستمر والقاضي ابراهيم “خلص بعد جلسة التحقيق التي جرت اليوم الخميس 14 أيلول، إلى إعطاء شركة KVA مهلة زمنية لإنجاز تركيب العدادات الذكية”. وعن المزيد من التفاصيل، فضّلت المصادر “عدم الإفصاح أكثر حفاظاً على مسار التحقيق”. مع الإشارة إلى أن المهلة المعطاة للشركة “قصيرة”، قبل استكمال التحقيقات. وأضافت المصادر أن التحقيق مع الشركات الأخرى “سيأتي تباعاً”.
التمويل حجّة لدى الشركات
تواجه شركة KVA التحقيقات بهدوء. فهي تملك، كباقي الشركات، غطاءً سياسياً يحميها منذ العام 2012. ومرَّت الشركات سابقاً، بأصعب من التحقيق الذي يقوم به القاضي ابراهيم، إذ وصل مشروع مقدمي الخدمات إلى حدّ التهديد الوجودي، واجتازته. وكذلك رٌفِعَت الدعاوى القضائية بين بعض الشركات الثلاث ومتعهِّديهم، وهو حال شركة NEU التابعة لدبّاس، في العام 2018. وتم تجاوز الأزمة، وأسفر ذلك عن إخراج شركة مراد من رحمها.
اليوم، تمتلك KVA وأقرانها حججاً أقوى لعدم إتمام المهام والتملُّص من قيامها بواجباتها. بل أكثر من ذلك، تملك أوراقاً تضغط بها على مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة، وهي مستحقاتها المالية بالدولار النقدي. أما محاولات تسديد بعض المستحقات بصورة مبطّنة تحت ستار الموازنات، كما حصل في موازنة العام 2023، فلا يفلح في تبرئة ذمة مؤسسة الكهرباء بشكل نهائي.
وبسبب العجز المالي، لا يستبعد المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة، غسان بيضون، أن يُستغل موضوع التمويل “للتسويف”، إذ ستقول KVA بأن “القضية ليست في أيدينا، وعلى مؤسسة الكهرباء تأمين التمويل لتركيب العدادات”. على أن المؤسسة “غير قادرة على تمويل مصاريفها العادية، في حين يحتاج تمويل تركيب العدادات إلى نحو 400 مليون دولار”.
لن تستطيع KVA وأي شركة أخرى معارضة قرار القاضي ابراهيم في الشكل، لكن في المضمون، يمكنها وضع الإستراتيجية وتأكيد جهوزيتها للالتزام بالقرار ثم التوقُّف عند “العوائق المالية”.
لا يُبدي بيضون تفاؤله، خلال حديث لـ”المدن”، حيال تنفيذ KVA قرار القاضي ابراهيم. فمؤسسة كهرباء لبنان وشركات مقدّمي الخدمات لم يستطيعوا إنجاز تركيب العدادات خلال الأعوام بين 2012 و2019 “حين كان الوضع المالي بمثابة الجنَّة مقارنة بالوضع المالي الحالي للبلد ولمؤسسة الكهرباء”. وبرأيه، “تُصعِّب الظروف الحالية للبلد مهمة تركيب العدادات، خصوصاً الظروف الأمنية، لأن تركيبها يستدعي تركيب محطات تحويل ذكية للأحياء، وتالياً قطع الكهرباء”.
التوسُّع بالتحقيق ضروري
ينطلق القاضي ابراهيم من نوايا حسنة تستند إلى ضمان حقوق المواطنين ومؤسسة كهرباء لبنان والدولة. إلا أن ملف شركات مقدّمي الخدمات أعقد وأعمق من القضية التي يثيرها ابراهيم، أي تركيب العدادات. فحقيقة الوضع المالي لمؤسسة كهرباء لبنان والعلاقة المالية بينها وبين الشركات، هي المدخل. فالمؤسسة لا تملك الدولارات الكافية ولا تستطيع تأمينه من مصرف لبنان.
وفي الوقت عينه، فإن استمرار عمل مقدّمي الخدمات تلفّه علامات الاستفهام، فمجلس الوزراء مدّد للشركات خلافاً للقانون. وأعفاهم من تحقيق مؤشرات الأداء خلافاً لما ينص عليه دفتر الشروط، في حين أن مؤشّر الأداء هو شرط جوهري لإنجاح المشروع وضمان حسن تنفيذ المهام. فكل مهمّة من مهام الشركات، يجب أن تُقاس وتُقَيَّم، وإن لم تكن وفق المطلوب، يمكن لمؤسسة كهرباء لبنان حسم مبالغ مالية من مستحقات الشركات.
العدادات الذكية ليست سوى قطعة صغيرة من الصورة الكاملة لملف شركات مقدّمي الخدمات، وإذا لم يُنظَر إلى الملف بكلّيّته وصورته العامة، فلن تُصَوَّب الأمور. لكن القاضي ابراهيم يصرّ على استكمال التحقيقات، وصولاً إلى خواتيم إيجابية لمصلحة كهرباء لبنان والدولة.