لم تكن مؤسسة القرض الحسن لتوسّع أعمالها وتجذب آلاف العملاء الجدد ما لم تتفجر الأزمة المالية ويتعرّض اللبنانيون لجريمة الإختلاس الكبرى، اختلاس المليارات من ودائعهم قبل العام 2019. كانت خدمات المؤسسة المالية المملوكة من حزب الله متوجّهة لفئة محدّدة من اللبنانيين تضم عناصر الحزب وعائلاتهم وجمهوره والمقرّبين منه، لتتسع بعد العام 2019 قاعدة العملاء وتشمل الآلاف من كافة شرائح المجتمع ومختلف الطوائف لاسيما في المناطق التي تتواجد فيها فروع المؤسسة.
وكانت مؤسسة القرض الحسن قد استقطبت شريحة واسعة من مودعي مصرفي “البنك اللبناني الكندي” و”جمّال ترست بنك” بعد إغلاقهما نتيجة خضوعهما لعقوبات أميركية في سنوات ما قبل 2019، الأمر الذي جعل من”القرض الحسن” المؤسسة المالية الأولى والوجهة الوحيدة أمام مؤيدي الحزب والمتعاملين معه.
عامل آخر لعب دوراً بارزا ً في تمكين وتوسيع نطاق عمليات “القرض الحسن” ارتبط بحرب تموز من العام 2006، حين خاضت إسرائيل حرباً شرسة على الحزب ومؤسساته، فقد تمكّنت المؤسسة رغم الحرب من الحفاظ على أموال عملائها و”ذهبهم” المودَع لديها. وهو ما فشلت به المصارف اللبنانية لاحقاً ودفع بآلاف العملاء للنزوح باتجاه “القرض الحسن”.
اليوم وفي ظل حرب قائمة، أودت بحياة نحو 2500 ضحية وجرحت عشرات الآلاف ودمرت مناطق بأكملها، الحرب التي لم تقف عند الحدود الجنوبية إنما شملت مناطق الجنوب والبقاع وبيروت والمتن وهدّدت كافة المناطق والتي تفوق بشراستها ووحشيتها حرب تموز 2006، هل ستتمكّن مؤسسة “القرض الحسن” من حماية أموال عملائها وذهبهم؟
قلق عملاء
مع كل غارة واستهداف حربي من قبل إسرائيل في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت أو لأحد فروع المؤسسة المنتشرة في المناطق، تتزايد المخاوف لدى عملاء مؤسسة “القرض الحسن” من أن تطال عملية الاستهداف مخازن المال والذهب التابع للمؤسسة. ولم تستند المخاوف تلك إلى معلومات مُعلنة أو صادرة عن المؤسسة ترتبط بمكامن المال والذهب، إنما تعود إلى تكاثر تحليلات بعض المحلّلين والصحفيين والناشطين وتداول أخبار على مواقع التواصل الإجتماعي تفيد بتعرّض مخازن الأموال النقدية والذهب للإستهداف والإحتراق جراء القصف المدمّر لغالبية مؤسسات حزب الله.
ويقول أحد عملاء “القرض الحسن” بأن لا إشارات تطمينية صادرة من قبل المؤسسة تفيد بأن ذهبنا وأموالنا بأمان، في وقت تنتشر فيه فروع مؤسسة “القرض الحسن” وعددها بالعشرات، في مناطق الإستهداف الإسرائيلي إن في الجنوب أو البقاع أو الضاحية الجنوبية لبيروت.
في المقابل علمت “المدن” بأن أحد فروع القرض الحسن لم يرفض طلب عدد من العملاء باستعادة ذهبهم المودع لدى المؤسسة، طالباً فقط إمهاله بعض الوقت ريثما يتم إحضار الذهب من خارج الفرع. كما أبلغ فرع آخر من فروع المؤسسة، بعض العملاء، تفهمه عدم سداد الاقساط الشهرية للمقترضين أو راهني الذهب من دون أن يرتّب عليه أي أعباء مالية إضافية.
هل تصدق التطمينات؟
قد تصحّ التحليلات باستهداف مكامن الذهب والأموال النقدية للحزب بما فيها “موجودات القرض الحسن” وقد تصدق المخاوف، غير أن مصدر من مؤسسة “القرض للحسن” يؤكد في حديث لـ”المدن” بأن كافة فروع المؤسسة على مساحة لبنان قد أفرغت من محتوياتها لاسيما من مستندات العملاء جازماً بعدم وجود الذهب والأموال النقدية في الفروع.
وإذ يشدّد المصدر على حرص المؤسسة على الأموال والذهب المودع لديها ويصفه بـ”الأمانات”، يطمئن بأن مخازن الذهب والمال في أمان ولا يمكن لأي كان أن يتحقق من وجودها بسهولة، إذ أن مكامنها غير متاحة لكافة العاملين في المؤسسة أو المنضمين إلى الحزب، مبرّراً سبب تأخر أي فرع بتلبية عميل باستعادة ذهبه المودع لدى “القرض الحسن”.
ويقدّر المصدر حجم القروض التي تقدّمها المؤسسة سنوياً لعملائها بنحو 500 مليون دولار أما حجم التعاملات فيقارب 4 مليارات دولار، ويقول أن شريحة عملاء المؤسسة اتسعت كثيراً في السنوات القليلة الماضية بعد خروج آلاف العملاء من القطاع المصرفي اللبناني عقب احتجاز المصارف ودائع المواطنين وتعليق عمليات القروض المصرفية.
وتمثّل مؤسسة القرض الحسن “المصرف المركزي” للحزب تنفصل عن الدولة اللبنانية بشكل تام، تضع قوانينها الخاصة وشروط عملها، فتمنح الدولارات للمواطنين مقابل رهن الذهب دون أي شروط قانونية ترتبط بالنظام المصرفي اللبناني أو بالمصرف المركزي أو أي جهة رسمية. كما أنها تبيع الذهب للعملاء مقابل دفعة أولى لا تتعدى 20 في المئة من قيمته وتتقاضى الأقساط الشهرية لاحقاً على مدار عامين أو أكثر وفق سعر الذهب المحدّد بتاريخ إجراء العملية، ولا يتقاضى “القرض الحسن” أي عمولات على عملية الإقراض أو التأخر بالسداد. وتضم المؤسسة إلى جانب راهني الذهب والمستثمرين، ممولين لبنانيين يودعون مبالغ مالية لصالح “مشاريع خيرية” تابعة للحزب.