القصة أعمق بكثير: ثلاث شركات ترفع سعر الدولار؟

ترتفع أسعار الدولار من دون قيود، ويُلقى اللّوم على “مضاربين” وصرّافي السوق السوداء، ولا يُعتَقَل أحد منهم، رغم إعلان بعض الأسماء التي سرعان ما تضيع حقيقتها بين تأكيد انخراط في التلاعب بالدولار وبراءتها. ويبقى القضاء عاجزاً عن ترجيح كفّة على حساب أخرى، واتخاذ الإجراء القانوني المطلوب والحدّ من تقلّب أسعار الدولار.

حقيقة الأسماء

مع إصدار المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، نهاية كانون الثاني الماضي، قراراً بملاحقة الصرافين غير الشرعيين، هدأت حركة الشبّان الموزّعين على الشوارع بهدف بيع وشراء الدولار، من دون اختفائها كليّاً. وبعد نحو يومين على القرار، تكشّفت ثلاثة أسماء ليست جديدة في السوق.

تنتشر أسماء “شركة بكري في صيدا، وصفيّ الدين في صور، وعلي الخليلي في الشيّاح”. وتُرَوَّج هذه الأسماء على أنها تتحكّم بسوق الدولار وتتابع الأجهزة الأمنية ملفّاتها. وفي الواقع، فإن تفاصيل كثيرة ترتبط بتلك الأسماء، تخلص في النهاية إلى أقنية حزبية تُعَتِّم على صلات الوصل بين تلك الأسماء وغيرها، وبين مصدر الليرات والدولارات التي يُتاجَر بها.

توضح مصادر في نقابة الصرّافين أن الأسماء المتداوَلة غير دقيقة. والصحيح أن شركة بكري المقصودة “هي شركة الـ”ص” في الشيّاح، ويملكها الشقيقان “هـ” و”م” بكري، وهي شركة صرافة قانونية. أما شركة علي الخليلي، فالحقيقة أنها شركة غير مرخّصة تعود لـ”ع.ن.الخليل”. أما شركة صفيّ الدين في صور، فليس لها وجود رسمي، وربما يكون المقصود بها شخص من آل صفيّ الدين يعمل بشكل مستقل”. وأفضى البحث في صور إلى إسم واحد هو “ع. صفي الدين. لا يملك شركة صرافة مرخّصة، ومع ذلك، لا أدلة على تورّطه في المضاربة بشكل معلن”.

صرافة غير شرعية

بكري والخليل “يلمع إسمهما في تنشيط الصرافة غير الشرعية. وبكري هو نفسه الذي ظهر في فيديوهات سابقة تتعلّق بلعبة “سوق الكشف”، حيث تجري عمليات حجز مبالغ مالية ضخمة، والرهان بها على ارتفاع أو انخفاض الدولار في أوقات معيّنة”.

وتعيد هذه المعلومة الذاكرة إلى شهر تشرين الثاني الماضي، حين شاع رهان مجموعات من المتحكّمين بسوق الدولار، بمبالغ خيالية وروّجت لانخفاض الدولار إلى نحو 30 ألف ليرة، فيما كان دولار السوق بحدود الـ40 ألف ليرة. وقيل يومها أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، علم بتلك الرهانات وساعَدَ في رفع سعر الصرف إلى نحو 43 ألف ليرة، ما تسبّب بخسائر للمراهنين، وكان من بينهم المدعو بكري.

وتضيف المصادر أن بكري “كان على خلاف مع حسن مقلّد” الذي أصدرت بحقّه وزارة الخزانة الأميركية عقوبات، في نهاية الشهر الماضي. ونشب الخلاف بين الطرفين “إثر عمليات المضاربة وتحقيق الأرباح، وساهما معاً في رفع سعر صرف الدولار”.

حلول غير مجدية

الأطراف الثلاثة المتداولة أسماؤهم راهناً، يضافون إلى غيرهم ممّن ذاع صيتهم على مدى 3 سنوات. ولم يعد مجدياً البحث في قانونية عمل هؤلاء في قطاع الصرافة أم أنّهم يمارسون عملهم خارج القانون، طالما أن النتيجة واحدة والحماية الحزبية والسياسية موجودة، وتأمين الليرات والدولارات لا يعرقله شيء. وحسب المصادر “فإن الليرات المستعملة في شراء الدولار، تأتي إلى السوق برُزِم ذات أرقام تسلسلية وبكميات كبيرة، وهذا وحده كافياً لمعرفة الجهة التي تمدّ السوق بالليرة. والمشكلة الأكبر هي معرفة لمن تصل تلك الليرات قبل توزيعها”. وترى المصادر أن “البدء بضبط سعر الدولار في السوق يبدأ بمن تصل إليه الليرات ويملك القدرة على التحكّم بسعر الدولار، لا ببضع شبّان ينتشرون على الطرقات، لأن القرارات القضائية، سواء قرار عويدات أو قبله قرارات النائب العام المالي علي إبراهيم، وكل تحرّكات القوى الأمنية تؤدّي فقط إلى تهدئة حركة الشبّان وتغيير الأسماء المستعارة التي يتداولها كبار المتلاعبين بالأسعار على منصات التواصل الاجتماعي”. وحتّى اللحظة، “لا يزال الجوّ متشنّجاً في الشارع بعد قرار عويدات”، فالشبّان انكفأوا قليلاً، لكن “طالما أن عمق الأزمة يمتدّ إلى مكان آخر، فلا حلّ قريباً، وستبقى تظهر أسماء قديمة وجديدة”.

مصدرالمدن
المادة السابقةأين ذهبت ساعات التغذية بالكهرباء التي وُعد بها اللبنانيون؟
المقالة القادمةالشمال تحت صدمة الأغذية الفاسدة