حث صندوق النقد الدولي دول الخليج العربي على زيادة زخم الأنشطة غير النفطية كونها محركا أساسيا لتوسيع آفاق اقتصادات المنطقة لمجاراة تقلبات أسواق النفط والغاز للحفاظ على استقرار الإيرادات بما يدعم مسار النمو المستدام مستقبلا.
وتبدو دول المنطقة مهتمة كثيرا بتنمية العديد من القطاعات، وهو ما يظهر في سياسات التنويع الاقتصادي، والتي انطلق قطارها بشكل واضح منذ أزمة الطاقة منتصف عام 2015.
ويدعم نشاط الشركات التي تعمل خارج قطاع الطاقة أسواق العمل في المنطقة ويعزز من مستوى المبادلات التجارية مدعومة بالبرامج التي تطرحها الحكومات والموجهة للأعمال وأصحاب المشاريع الذاتية، بما في ذلك الصغيرة والمتوسطة.
ورغم أن صندوق النقد يعتقد أن القطاع غير النفطي سيكون داعما للنمو في دول الخليج خلال السنوات المقبلة، لكنه يرى أنه لن يعوض بشكل كامل تراجع نمو النفط على المدى المتوسط.
وطالب في تقرير حديث نشره في وقت مبكر الجمعة حكومات المنطقة بالاستمرار في دعم القطاع، الذي يعتبر قاطرة نمو الاقتصادات الخليجية مع تراجع إنتاج النفط.
وأكد أن ارتفاع الإيرادات غیر النفطیة يشكل انعكاسا للإصلاحات المالیة والھیكلیة المتواصلة، لكنه يرى ضرورة الاستمرار في تركيز الإصلاحات على تنویع النشاط الاقتصادي بعیدا عن الهیدروكربونات.
وقال إن “دول الخليج ما تزال محتفظة بقوة زخم نمو القطاعات غير النفطية المدفوعة بالطلب المحلي، وزيادة التدفقات الاستثمارية الخارجية، فضلا عن احتفاظ أرصدة المالية العامة بقوتها”.
وتوقع الصندوق انخفاض معدلات العجز الأولي غير النفطي إلى 24 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2028.
ومنذ العام 2016، بدأت حكومات الخليج اتخاذ خطوات لتعزيز الاقتصاد غير النفطي لمواجهة هبوط أسعار الخام، وفي الوقت ذاته تنويع مصادر الدخل.
وبدأت تعمل على ترسيخ مكانة الصناعة والسياحة والتجارة الرقمية والنقل واللوجستيات والطاقة البديلة وتأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة والناشئة في اقتصاداتها على نحو يقطع مع الماضي.
وقال صندوق النقد إن “الإصلاحات الرامية إلى تعزيز القواعد التنظيمية لسوق المنتجات وأسواق العمل والحوكمة، ستعمل على تحفيز النمو”.
وتوقع أن تؤدي الاستثمارات الفعالة في المبادرات الرقمية والخضراء إلى تسريع التحول ودعم تحول الطاقة.
ومن المرجح أن تكون وتيرة النمو غير النفطي في الدول الخليجية صحية، وفق الصندوق، مدفوعة بزيادة الاستثمارات والتدفقات الرأسمالية رغم المخاطر والظروف غير المواتية العالمية.
وأشار إلى أن النمو القوي للناتج المحلي الإجمالي غير النفطي يحد من تأثير انخفاض إنتاج النفط الخام ضمن اتفاق تحالف أوبك+ على النمو الكلي للناتج المحلي الإجمالي لكل بلد.
ورغم التقلبات الاقتصادية العالمية الراهنة، فإن ثمة مؤشرات تدل على أن نمو الأنشطة غير النفطية في الخليج سيقفز في ظل التركيز على هذا المجال في إطار سياسة التنويع الاقتصادي.
ونما الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لدول الخليج بنسبة 5.3 في المئة العام الماضي، ومن المتوقع أن ينمو بواقع 4.3 في المئة بنهاية هذا العام، وهي أعلى بقليل من توقعات سابقة
وفي وقت سابق هذا العام رفع الصندوق توقعاته لنمو القطاع الخاص في دول المنطقة للعام الجاري مع استمرار دوله الست في تعزيز الاقتصاد غير المنتج لمصادر الطاقة التقليدية.
وذكر في تقرير نشره في مايو الماضي بعنوان “آفاق الاقتصاد الإقليمي” أن تقديراته تؤشر إلى ارتفاع الاقتصاد غير النفطي في دول الخليج إلى 4.2 في المئة في 2023، من تقديرات سابقة بلغت 3.7 في المئة.
ويتركز مكمن نمو القطاع غير النفطي بدول الخليج في كل من السعودية والإمارات، فالمؤشرات الدقيقة لفترات زمنية قصيرة للنشاط الاقتصادي في البلدين تدعم التوقع بحدوث نمو قوي.
وقدّر الصندوق أن تظل الاستثمارات غير النفطية الخاصة القوية هي المحرك الرئيسي للنمو في السعودية مدعومة بالوتيرة المتسارعة للأنشطة غير النفطية، بما في ذلك المشاريع الضخمة المختلفة التي تعزز قطاعات الجملة وتجارة التجزئة والبناء والنقل.
وبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في السعودية بالنصف الأول من العام الحالي 4.5 في المئة من الأنشطة الخاصة والحكومية غير النفطية.
وسجل القطاع في الإمارات نموا قويا بنسبة 5.9 في المئة خلال الفترة ذاته، مدفوعا بالطلب المحلي القوي.
وبالنسبة إلى قطر، فقد حظي النشاط غير النفطي بنمو قوي خلال 2022 بدعم من استضافة بطولة كأس العالم، ليحقق نموا بلغ 6.8 في المئة مدعوما بنشاط السياحة والضيافة والإنشاءات.
ولكن من المرجح تباطؤ هذا النمو القوي هذا العام ليعود إلى وضعه الطبيعي عند نحو 2.5 في المئة، مدفوعا بالاستثمار في المشاريع العامة، وإنشاء مشروع توسعة حقل الشمال للغاز الطبيعي المسال.
وأشار صندوق النقد إلى تباطؤ النمو غير النفطي في البحرين والكويت، ولكنه يظل أعلى من 3 في المئة، في حين بلغ اثنين في المئة في سلطنة عمان.
وصارت دول المنطقة أكثر مركزية في شبكة الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية في العقد الماضي، بقيادة الإمارات والسعودية.
وكشف التقرير أن الإمارات كانت أكبر وجهة للاستثمار الأجنبي المباشر بالمنطقة العام الماضي، بتدفقات تصل إلى 26 مليار دولار.
وتوقع أن يساعد التحسن الكبير في بيئة الأعمال في السعودية عبر الإصلاحات المختلفة الجارية، وقانون الاستثمار الأجنبي المباشر الجديد في قطر الذي يسمح بملكية أجنبية تصل إلى مئة في المئة، في جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر.
وكان معهد التمويل الدولي قد أشار في تقرير هذا العام إلى أن القطاعات الاقتصادية غير النفطية في الخليج ستحافظ على أدائها القوي في العام الجاري، الأمر الذي يحد من تأثير تراجع إنتاج النفط وأسعاره على نمو دول المنطقة.
وتوقع المعهد أن يبقى نمو الناتج المحلي غير النفطي لدول المنطقة قويا بين 4 و5 في المئة بدعم من الاستهلاك الخاص والاستثمارات.
وأوضح أن الاستثمار الأجنبي المباشر المرتفع في الإمارات يحرك بيئة الأعمال، في ظل بنية تحتية قوية، وسياسات يمكن التنبؤ بها، وتغييرات هيكلية تهدف إلى تنويع الاقتصاد وخلق قطاع خاص ديناميكي وموسع.
ولفت أيضا إلى أن السعودية حسنت بيئة أعمالها بشكل كبير، ما سيساعدها في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال المرحلة المقبلة مدفوعة بطفرة الإنشاءات والمشاريع وسياسة نقل المقرات.