الكهرباء أيضاً جزء من خطّة الترقيع والهروب

تتوالى الإجراءات الترقيعية في بنية الأزمة. الكهرباء انحسرت نحو خطّة مؤقتّة توفر لستة أشهر فقط، أقل من عشر ساعات يومياً. لكن مصيرها، مثل كل شيء في مؤسسات الدولة بقي رهينة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وفي هذه الأثناء باشر الحاكم نفسه، وبالتعاون مع وزارة المالية خطوات ما اسموه بـ«توحيد أسعار الصرف»، وهي خدعة تخفي استمرار السياسة ذاتها الهادفة إلى عدم «إنشاء نظام نقدي موثوق» بحسب ما طالب به صندوق النقد الدولي.

قبل مشروع الكهرباء وسعر الصرف، كانت الأجور على موعد مع خطّة ترقيع أيضاً، إذ تدنّت القوّة الشرائية للحدّ الأدنى للأجور بنسبة 70% مقارنة مع ما كانت عليه في 2018، أي أنه رغم الزيادات التي لحقت بهذا الحدّ الأدنى ليصبح 2.6 مليون ليرة، فإن قيمته الفعلية بعد حسم التضخّم تصبح 200 ألف ليرة. وبحسب إدارة الإحصاء المركزي، فإن تضخّم الأسعار سجّل منذ مطلع 2019 لغاية نهاية تشرين الأول 2022 نحو 1400%، فيما تضخّمت أسعار المواد الغذائية بنسبة 5811%. كما تضخمت كلفة الصحّة بنسبة 1293%، وكلفة النقل 4000%.

عمليات الترقيع تعبر عن الخيار السياسي لقوى السلطة والقائم على استراتيجية شراء الوقت. الواجهة الأساسية لهذا الخيار كانت ظاهرة للعيان في مصرف لبنان حيث تتم قيادة عمليات إمداد النظام بالمزيد من المال لتبديده في قنوات التوزيع التي أمسكتها قوى السلطة من خلال الحكومة ومجلس النواب. وقد تم تحطيم الأهداف الأساسية من الأدوات المؤسّسية مثل الموازنة والتشريعات المرافقة لها، لتستخدم حصراً في مجال تقطيع الوقت وإفساح المجال أمام مصرف لبنان للقيام بالمزيد من العمليات التي تشتري الوقت على حساب المال العام والخاص.
ومقابل ذلك كلّه، رفضت هذه القوى أي عملية إصلاحية فعلية. فعلى سبيل المثال رفضت الانخراط في مشروع التغطية الصحية الشاملة المموّل من الضريبة أيام الوزير شربل نحاس، ورفضت أيضاً خطّة إعادة هيكلة الدين العام التي أعدّت أيام تولّي علي حسن خليل وزارة المال… ثمة الكثير من الرفض في المجالات الضريبية التي انتهت إلى انفجار الأزمة وتلزيم إدارتها إلى حاكم المصرف المركزي أيضاً. وظل هو من يقرّر أين يذهب التمويل والأهداف المتوخاة منه، وهو الآن يقوم بالأمر نفسه مع فرق أن التمويل استنزف بمخزونه وبتدفقاته. الدعم، كما ينقل عن لسان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ذهب إلى جيوب التجّار والمحتكرين بنسبة 75%، بينما التعاميم التي أصدرها مصرف لبنان توالياً، كان هدفها إطفاء الخسائر في بنية النظام المالي. وبعد مرور ثلاث سنوات، لم يطفأ إلا القليل من هذه الخسائر، والباقي سيتم إطفاؤه بالنمط نفسه ضمن إدارة «المركزي»، أي بواسطة آلية التضخّم. وهدف استعمال هذه الآلية إخفاء حقيقة عملية توزيع الخسائر التي تُطفأ بمدخرات الطبقات الوسطى وبأجور الطبقات الفقيرة. ليس هناك دلالة على هذا السلوك الخبيث أكثر من عملية الدولرة النقدية التي تسري في شرايين الاقتصاد. فقد جرت دولرة الرساميل، ودولرة الأكلاف التشغيلية، ودولرة الأرباح، في مجالات التجارة والتعليم والصحة… الكلّ يترتب عليه أن يدفع نقداً ليحصل على السلعة أو الخدمة. بالتوازي جرت دولرة كلفة الاتصالات، واليوم تُدولر كلفة الكهرباء والرسوم الجمركية… في المقابل ما زالت غالبية الأجور بالليرة ويأكلها التضخّم المتوقع أن يبقى متواصلاً طالما أن قوى السلطة بوجهيها السياسي والمالي ما زالت تقود الحكم. فما الهدف أن يشتري لبنان الكهرباء لبضعة أشهر بدلاً من استدامتها؟ وما الهدف من إصدار سعر صرف جديد فيما السعر في السوق الحرّة يوازيه 2.5 ضعف؟ شراء الوقت يجذب المزيد من شراء الوقت حتى بلوغ موجة ثانية من الأزمة أكثر شدّة.

مصدرجريدة الأخبار
المادة السابقةأسعار جديدة للمحروقات!
المقالة القادمةالدولار الجمركي سيرفع الـ TVA… والنتيجة مزيد من الإفقار