يخطئ من يعتقد أن مفهوم التجارة الإلكترونية في لبنان، ورغم حداثته نسبياً، يعني محدودية في الأرباح المادية، أو استنسابية في الوصول إلى شرائح أو فئات معينة من السكان. فرغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، سعى الكثير من الشباب إلى خوض غمار التجارة الرقمية وتحويل الأزمة إلى فرصة.
الأرقام مشجعة ولكن
استطاعت التجارة الرقمية، سواء من خلال المتاجر الإلكترونية أو التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي زمنٍ قصيرٍ نسبياً، تحقيق نمو سريع خصوصاً بين نهاية عام 2019 وبداية عام 2020، إذ فرضت جائحة فيروس كورونا واقعاً تجارياً جديداً، وهو ما يمكن قراءته من خلال البيانات والدراسات الدولية التي تناولت مفهوم التجارة الإلكترونية في لبنان.
تظهر بيانات صادرة عن مركز Ecommerce البريطاني التابع لمؤسسة Statista المعنية بالاحصاءات، أن حجم السوق الإلكتروني المتوقع في العام 2027 في لبنان قد يصل إلى نحو 2.298 مليون دولار أميركي، مع زيادة متوقعة بنسبة 14.2 بالمئة في عام 2023 مقارنة مع السنوات السابقة.
فرص نجاح
هذه العوامل دفعت بالشاب أيمن ياسين، إلى خوض غمار التجارة الإلكترونية من خلال تأسيس متجر “براندز بازار” www.brandsbazzar.com لبيع البضائع الأوروبية بأسعار تنافسية. يقول ياسين لـ “المدن” أن الفكرة “بدأت كمحاولة للخروج من المفهوم التقليدي لعمليات البيع والشراء، خصوصاً وأن إمكانية وصول الزبائن إلى المحال التجارية تقلصت لأسباب عديدة، منها أزمة البنزين ومحدودية الرواتب، وغيرها. ولذا، كانت فكرة تأسيس متجر إلكتروني متخصص ببيع البضائع الأساسية التي تحتاجها العائلة، من دون عناء الانتقال من المنزل إلى المتجر العادي للحصول عليها”.
يضيف ياسين أن الأزمات التي يعيشها لبنان، سواء الاقتصادية أو انتشار جائحة كورونا “فرضت تغييراً في مفهوم العمل، ولم يعد تأسيس متجر تقليدي في أي منطقة في لبنان، فكرة مربحة كثيراً من جهة، ومن جهة ثانية، إن التكاليف التي تفرض على التاجر، لناحية إيجار محل تجاري، وتسديد أكثر من فاتورة للكهرباء، تشكل عائقاً أمام نمو الأعمال الصغيرة في ظل غياب أي دعم من السلطات الرسمية”.
لا يخفي ياسين، أن هناك مجموعة كبيرة من التحديات رافقت مشروعه، ومن ضمنها أن فكرة التجارة الإلكترونية لا تزال جديدة نوعاً ما على المجتمع اللبناني. وبمعنى أدق، إن عامل الثقة بين المشتري والبائع الافتراضي لا تزال ضعيفة. ومن ناحية أخرى، إن فكرة بيع منتجات عن بُعد، قد تعني إمكانية تعرضها للتلف خلال عملية التوصيل، وهذا ما يعني تكلفة إضافية على التاجر.
البيع …”كاش”
إلا أن التحدي الأكبر بحسب ياسين، يتعلق بعملية الدفع، فقد فرضت أزمة المصارف صعوبة في عمليات البيع والشراء عبر الفضاء الإلكتروني، إذ لا يمكن إتمام أي عملية بيع أو شراء من خلال استخدام البطاقات مسبقة الدفع الصادرة من المصارف، ولذا، عاد مفهوم “البيع بالكاش” أي البيع النقدي إلى الواجهة، حيث تتم عمليات الدفع في التجارة الإلكترونية بعد تسليم البضائع.
إضافة إلى هذه التحديات، هناك مجموعة من العوامل التي تعيق نشاط أي تاجر رقمي، فعلى سبيل المثال “تنبع هذه التحديات من أوجه القصور على مستويات مختلفة مثل غياب البنى التحتية الرقمية، وغياب مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والإجراءات الجمركية، واللوجستيات، بالإضافة إلى اللوائح القانونية، ناهيك عن ارتفاع أسعار الإنترنت”.
أين لبنان في العصر الرقمي؟
تشير دراسات دولية، نشرها مركز Ecommerce إلى أن التجارة الرقمية تساعد لبنان في الخروج نسبياً من أزمته، إذ تساهم في تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة. ففي ظل الظروف الحالية، “سيسمح تعزيز الإنتاج والتجارة الإلكترونية للبلاد بالاستفادة من تخفيض قيمة الليرة اللبنانية لتعزيز السلع والخدمات ذات الإمكانات التصديرية العالية، كما يساعد في تعزيز العمل التجاري بعيداً عن فكرة الاحتكار وما رافقه من غياب للكثير من السلع ورفع أسعارها”.
بالتوازي، لا يوجد في لبنان أي خطط حكومية للنهوض بالاقتصاد الرقمي، باستثناء خطة اقتصادية نشرتها وزارة الاقتصاد والتجارة في العام 2020، وجدت فيها أن “التحول من نظام قائم على الريع إلى نظام اقتصادي منتج يتطلب تحولًا عميقًا – وأحيانًا مؤلمًا – على جميع المستويات، وركزت الخطة بشكل خاص على العديد من القطاعات الإنتاجية ذات الإمكانات العالية للتصدير بما في ذلك القطاعات الصناعية والزراعية كونها مصادر للمزايا النسبية الوطنية وخلق القيمة، لكن الخطة لم تعطِ أي فرص لتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة داخلياً، ولم تقدم أي مبادرات لرعاية أو دعم التجار الصغار في لبنان، لخوض تجارب التجارة الإلكترونية.
غياب التنظيم والرقابة
يعلق رئيس لجنة التجارة في غرفة بيروت وجبل لبنان جاك حكيم على مفهوم التجارة الإلكترونية للشباب في لبنان، على أنها مفهوم جديد، يعكس انتشار مفهوم العولمة، ولكن في لبنان، قد يكون الأمر مختلفاً ويأتي بنتائج عكسية. يقول حكيم لـ “المدن”:” في ظل غياب قدرة الدولة ووزارة الاقتصاد على مراقبة هذا النوع من التجارة، فإن من غير المستبعد أن يكون لها تأثيرات سلبية على المدى البعيد، إذ أنها قد تضر بالأسواق اللبنانية، وبالتالي من المهم إخضاعها للرقابة.
بحسب حكيم، لا تقوم في المرحلة الراهنة وزارة الاقتصاد بأي دور لمراقبة السلع التي تتم عبر التجارة الإلكترونية، لعدم قدرتها لأسباب عديدة، من ضمنها الشلل الحاصل في مرافق الدولة.
أما بالنسبة إلى دور غرفة الصناعة والتجارة في تنظيم التجارة الإلكترونية، فهو أيضاً متوقف، إذ لم تتخذ الغرفة أي خطوة لتنظيم العمل، أو وضع القوانين والتشريعات أو احتساب الضرائب وغيرها.
يؤكد حكيم بأن قوننة التجارة الإلكترونية في لبنان تحتاج الى سلسلة من الأعمال والجهود بين الغرفة ووزارة الاقتصاد والمصارف، لكن الأوضاع الحالية تجعل من الصعب إدارة هذا الملف.