اللبناني ضائع بين العادة والعادي

في ظل تنامي المشاكل والويلات والمصائب على لبنان، فقد ضاع اللبنانيون في التزام حدود الكلمتين، خصوصاً بعد ان اثبتوا انهم الشعب الاكثر تأقلماً وتقبلاً للمآسي، والاقل حماساً للثورة الشاملة لاحداث “نفضة” تغييرية حقيقية على كل المستويات وفي كل المجالات، والاكثر قبولاً لمبايعة الزعماء والمسؤولين السياسيين مهما كانت قراراتهم وارتكاباتهم ومواقفهم ولو على حساب حياتهم وصحتهم ومستقبل اولادهم…

من هنا، بات اللبناني ضائعاً بين الكلمتين (وفق اللفظ العاميّ)، وتحولت الكثير من الامور الخاطئة والقاهرة الى عادات عادية، فتطور:

-الانتظار في طوابير لا تنتهي على محطّات ​المحروقات​… الى عادة اصبحت “عادي” (ويمكن لصاحب السيارة الانتظار لساعات تتخطى الستّ في انتظار دوره لتعبئة اقل من 20 ليتر من ​البنزين​).

-التنقل بين سوبرماركت وآخر وبين صيدلية واخرى وبين ملحمة واخرى… للحصول على ما يحتاجه بالسعر الارخص… الى عادة اصبحت “عادي”.

-برمجة مشاريعه وتنقلاته وشرائه المنتجات التي تحتاج الى برّادات، وفق برنامج اصحاب ​مولدات الكهرباء​… الى عادة اصبحت “عادي”.

-تحكّم التجّار واصحاب المحلاّت والمحتكرين بالمواد والمنتجات ووضع الاسعار وفق رغباتهم واهوائهم من دون حسيب او رقيب… الى عادة اصبحت “عادي”.

-وقوع قتلى وجرحى واشتباكات يومية بالايدي والسلاح الابيض على محطات المحروقات وغيرها من اماكن التجمعات الشرائيّة والاستهلاكية… الى عادة اصبحت “عادي”.

-ارتفاع جنوني وانخفاض سريع احياناً في سعر صرف الدولار وبطريقة لا تمتّ الى قواعد الاقتصاد والمال بصلة، الى عادة اصبحت “عادي”.

-وجود اربعة او خمسة اسعار لصرف الدولار تتفاوت بشكل كبير، وغموض تام حول الاسباب وتواجد منصّات عدّة للتعاطي مع هذا الموضوع، الى عادة اصبحت “عادي”.

-ازدهار وتنامي ظاهرة ​التهريب​ و​السوق السوداء​ والمحسوبيات في تأمين المواد اليومية الضرورية… الى عادة اصبحت “عادي”.

-مسألة “مصادرة” ​المصارف​ ل​أموال المودعين​ بالعملات الاجنبية وعدم اعطائهم إيّاها الا بـ”القطّارة” وبعد كسب نسب كبيرة منها، وعدم القدرة على استعادة الناس لحقوقها عبر القضاء… الى عادة اصبحت “عادي”.

-تراجع شراء اللحوم والمشروبات الروحيّة والغازيّة والاجبان والالبان وغيرها من المشتقّات التي كانت تستهلك يومياً، وحصره بالمناسبات المميزة والاعياد… الى عادة اصبحت “عادي”.

-تمرير العديد من الامور وفي مقدّمها حدث ​انفجار مرفأ بيروت​، بطريقة بسيطة والرهان على الوقت لنسيان تأثيراته وألم من فقدوا عزيزاً على قلبهم، من دون معرفة الاسباب والمسؤولين… الى عادة اصبحت “عادي”.

-تخطيط شريحة كبيرة من اللبنانيين للهجرة او لارسال اولادهم الى الخارج من اجل اكمال حياتهم بطريقة طبيعية وعدم تحميلهم اعباء ما تسبب بهم آخرون يقاسمونهم لقمة العيش… الى عادة اصبحت “عادي”.

اما الطامة الكبرى، فتكمن في استمرار العادة السيئة في تصديق المسؤولين ورؤساء الاحزاب والتيارات السياسية، واعتبارهم مفتاح خلاص لبنان، فيما هم نواة المشكلة والمصيبة، وهذه العادة-المأساة التي ستبقى وللاسف… “عادي”، فيما لا شيء يوحي بوجود أي رغبة لدى الشريحة الكبرى من اللبنانيين في تغيير هذه العادة-العادية واعتبارها استثنائيّة ومن الضروري الاسراع في تغييرها والاستفاقة من السبات العميق الذي يغرقون فيه.

مصدرالنشرة - طوني خوري
المادة السابقةمتى سنبلغ مرحلة التعافي الاقتصادي والمالي؟
المقالة القادمةحمية: الانفتاح على الدول العربية الشقيقة وعلى الدول الصديقة في المنطقة والعالم أجمع من أولويات الحكومة