الأجور في لبنان لا تغطّي أكثر من 50% من قيمة السلّة الاستهلاكية للأسر، أي إن الأجور لم تعد كافية من أجل الأكل والشرب فقط.
رغم ذلك، يتم تحويل الليرة إلى أداة ضريبية لأهداف ليست اقتصادية، بل تتعلق بإطفاء الخسائر في ميزانيته وفي ميزانيات المصارف أيضاً. هذه الأداة هي أسهل أداة ضريبية ممكنة، وهي ليست واضحة للعموم، لكنها تعني أمرين أساسيين:
– إن احتمال انحدار سعر الصرف وتدهوره ناتج عن استمرار استعمال الليرة كأداة لنقل الثروة من المودعين إلى المقترضين. وهذا ما تدلّ عليه معادلة سعر الشيك بالدولار الذي يساوي اليوم ما بين 2800 ليرة و3000 ليرة للدولار الواحد، بينما سعر الدولار الورقي تبلغ قيمته عند الصرافين وفي المصارف 7500 ليرة. أكثر من 10 مليارات دولار خرجت من الودائع وصبّت لإطفاء ديون. ليس بالضرورة أن يكون المدين فقيراً، بل هو ربما من الأثرياء الذين سحبوا دولارات ورقية واستبدلوها بشيكات من أموال المودعين ووضعوها في حساباتهم لإيفاء الديون.
عملياً، إن التراجعات أو التقلبات المؤقتة التي تصيب سعر الصرف من وقت إلى آخر، هي غير مستدامة، بحسب ما ثبت على مدى العام الفائت. فعلى سبيل المثال، في تشرين الأول 2019 بلغ سعر الدولار في السوق الموازية 1690 ليرة، لكنه قفز في نيسان إلى 2850 ليرة، ثم بلغ 4200 ليرة في آخر نيسان، وصولاً إلى 5400 ليرة في 12 حزيران. بعد يومين انخفض السعر إلى 4750 ليرة، ثم عاد إلى الارتفاع مجدداً. وبلغ السعر في 3 تموز 9900 ليرة، ثم تراجع في خلال أسبوع إلى 7900 ليرة. في آب تكرّرت القصة فانخفض السعر من 8500 ليرة في 6 آب إلى 7000 ليرة في 11 آب. مجموع هذه التقلبات جعلت صندوق النقد الدولي يستعمل سعر الصرف على أساس 6000 ليرة في احتساب الناتج المحلي الإجمالي التقديري لعام 2020.
إن الطريقة الأفضل لإدارة سعر الصرف متصلة بالغاية التي يفترض أن تسعى السلطات إليها. فالأمر ليس عبارة عن وصفة تقنية، بل يتعلق بإدارة التفليسة واستخدام الأدوات المتاحة. يكون هذا الأمر ضمن هدف واضح: أي اقتصاد؟ أي مجتمع؟ هل نريد تعزيز موقع أصحاب الرساميل؟ هل هناك مصلحة في سعر صرف مستقرّ؟
حالياً، ليس لدى سلامة، أو أي أحد في السلطة، الجرأة على مواجهة هذه الأسئلة وتحديد الخيارات. الكل يريد حصة من سعر الصرف تصبّ في مصلحته. هي المصلحة التي اعتاد الحصول عليها من سعر صرف ثابت ومستقرّ، وهي المصلحة التي توسّع الفجوة بين قلّة من الأثرياء وكثرة من الفقراء في لبنان. من يجرؤ على مواجهة خيار البحث عن نموذج بديل؟ بعد سنة على انفجار الأزمة، لم يجرؤ أحد من أهل السلطة على تقديم مقاربة بديلة. الكلّ يريد ترقيع النموذج حتى لو لم تصمد الرقعة كثيراً. بضعة أشهر قد تكون كافية لتهريب ما تبقى من أموالهم العالقة هنا.