«المالية» تُعدّل أرقام الموازنة: العجز 5.35 ألف مليار

البلد في واد والحكومة في واد آخر. لمن لا يعرف، لا يزال الوزراء يدرسون مشروع موازنة 2021. بهدوء شديد تطير ملاحظاتهم إلى السراي الحكومية ومنها إلى وزير المالية. يأخذ الأخير ما يحلو له منها ويرمي ما لا يعجبه، على قاعدة أن إعداد الموازنة من صلاحياته، قبل أن يعيدها مجدداً إلى رئاسة الحكومة، التي تنقلها مرة أخرى إلى الوزراء، منتظرة ملاحظاتهم من جديد، من دون أن يتضح ما إذا كانت ستعيد المسار نفسه. كل هذه المراحل وكل تضييع الوقت سببه واحد: رفض رئيس الحكومة حسان دياب انعقاد مجلس الوزراء.

وعلى هذا المنوال، كان آخر تطورات مشروع الموازنة أن وزير المالية أعاد المشروع إلى رئاسة مجلس الوزراء في الرابع من أيار الجاري، آخذاً ببعض الملاحظات التي سبق أن تلقاها من رئاسة الحكومة في 19 آذار الماضي (تشمل ملاحظات رئاسة الجمهورية، الوزارات والمؤسسات العامة والأجهزة الأمنية، ومجلس شورى الدولة).

في النسخة الأخيرة من المشروع، زاد وزير المالية مجموع أرقام الموازنة من 18 ألفاً و259 مليار ليرة إلى 18 ألفاً و777 مليار ليرة. وأدى ذلك إلى ارتفاع تقدير العجز في الموازنة من 4.68 ألف مليار إلى 5.35 ألف مليار.
لكن تعديل الأرقام لا يعني شيئاً في موازنة مبنية برمّتها على أرقام وتوقّعات غير دقيقة. ولذلك، ركّزت الملاحظات التي قدمت لـ«المالية» على مدى واقعية أرقام الموازنة التي حُضّرت على أساس سعر صرف 1500 ليرة للدولار، لتخلص إلى أن «الإنفاق الفعلي من خارج بند الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد وخدمة الدين (أي ما يوازي 30 في المئة من مجمل نفقات الموازنة) قد يرتفع بأضعاف عما هو متوقع في مشروع الموازنة». أما الإيرادات فستكون بدورها صعبة التحقيق في ظل الركود الاقتصادي ونسب النمو السلبية وإقفال العديد من المؤسسات الخاصة وعدم قدرة المكلّفين على تسديد الضرائب والرسوم.

بالمحصلة، فإن مشروع الموازنة لم يعد هو نفسه. المسودة الأخيرة تظهر أن «المالية» اهتمت ببعض التعديلات وأغفلت بعضها الآخر. وفيما يلي أبرز الملاحظات:

– لم يأخذ وزير المالية بالملاحظات الأساسية المتعلقة بالمادة 22 التي تشير إلى تنزيل 100 في المئة من غرامات التحقّق وغرامات التحصيل للمخالفات التي تلت تاريخ 1/10/2019 و90 في المئة على المخالفات السابقة لهذا التاريخ. فالملاحظات اعتبرت أن «هذا النوع من الإعفاءات، على الرغم من أنه قد يؤمّن السيولة للدولة، إلا أنه قد يؤدي أيضاً إلى حرمان الخزينة من مبالغ مالية كبيرة كانت مستحقة على المكلّفين، كما يُشجع المواطنين على عدم الالتزام الضريبي.

– واحدة من المواد التي رافقها كثير من الجدل هي المادة 28، التي تجيز إجراء إعادة تقييم استثنائية للأصول الثابتة للمكلّفين بضريبة الدخل، ضمن مهلة تنتهي في 30/6/2021 على أن تخضع الفروقات الإيجابية لضريبة نسبية بمعدل 3 في المئة… لكن وزير المالية لم يأخذ بأي من الملاحظات المنقولة عن «الفعاليات الاقتصادية» المطالبة بتخفيض النسبة إلى 1.5 في المئة. كما لم يأخذ باقتراح وزارة الصناعة تمديد المهلة المعطاة لإجراء إعادة التقييم حتى نهاية العام، على أن يتم إخضاع الفروقات الإيجابية للمكلّفين الصناعيين بنسبة 1 في المئة عوضاً عن 3 في المئة.

– المادة 29 تنص على أنه في حال تخفيض الرواتب وملحقاتها يتم احتساب الضريبة على الرواتب والأجور على أساس المبلغ المخفّض وليس على قيمتها الإسمية. وقد أشارت الملاحظات المقدّمة من وزارة العمل إلى أن هذه المادة قد تفسّر بالموافقة على تخفيض رواتب الموظفين في حين أن الوزارة أصدرت في بداية العام تحذيراً إلى أصحاب العمل من تخفيض أجور الموظفين من دون مبرر قانوني أو من دون تخفيض لساعات العمل.

– لم تأخذ وزارة المالية إلا بملاحظة واحدة من الملاحظات التي طالت ضريبة التضامن الوطني التي تنص على فرض ضريبة على الحسابات الدائنة إن كانت بالدولار أو بالليرة، بنسبة واحد في المئة عن القسم من الحساب بين مليون و20 مليون دولار (على سعر 1500 ليرة للدولار)، و1.5 في المئة على القسم بين 20 مليوناً و50 مليوناً، و2 في المئة عن القسم الذي يزيد على 50 مليوناً.

– ألغت وزارة المالية المادة 83 من الموازنة التي تسمح للمؤسسات بتقسيط مستحقاتها للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عن العام 2020 على سنتين من دون فوائد وغرامات.

– كل المعنيين في مختلف القطاعات اعترضوا على المادة 93 المتعلقة بتوحيد منح التعليم في القطاع العام من خلال اعتماد السقوف المحددة في تعاونية موظفي الدولة. ولذلك، ارتأى وزير المالية إلغاءها من قانون الموازنة.
– أصرت وزارة المالية على إبقاء المادة 95 من الموازنة، التي تمنح كل عربي أو أجنبي الإقامة في حال اشترى وحدة سكنية، شرط أن تفوق قيمتها 350 ألف دولار ضمن بيروت و200 ألف دولار خارج بيروت، مع استثناء النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين.

لم تأخذ الوزارة بالملاحظات المتعلقة بالمادة 96، التي تشير إلى تقسيط الديون المتوجّبة على الدولة لصالح الصندوق لغاية العام 2020 لمدة 20 سنة، وأصرت على مضمونها، بالرغم من أن إدارة الصندوق كانت رفضتها «رفضاً قاطعاً»، نظراً للوضع المالي للصندوق على أثر تدنّي قيمة العملة الوطنية وارتفاع كلفة الطبابة، بالتالي فإن «تسديد الديون المتوجبة على الدولة أصبح حاجة ملّحة وعدم تسديدها يهدد استمرارية المؤسسة»، مشيرة إلى أن أقسى ما يمكن أن تقبل به هو فترة 10 سنوات.

– يعتبر مجلس الشورى أن المادة 98، التي تُخفّض عدد السنوات التي تعطي الحق بالتقاعد بالنسبة للموظفين الذين دخلوا الخدمة بتاريخ 31/7/2019 وما قبل من 25 إلى 20 سنة، مخلّة بمبدأ المساواة بين مختلف أسلاك القطاع العام وتلك التي تنص على حد أدنى يقل في عدد سنوات الخدمة عن المحدد للسلك الإداري. بالتالي يكون مصيرها الابطال من قبل المجلس الدستوري في حال الطعن بالموازنة لمخالفتها الدستور

أصرت وزارة المالية على عدم تعديل المادة 99 التي أثارت اعتراضات كبيرة (تتعلق بتجميد طلبات الإحالة إلى التقاعد لمدة ثلاث سنوات، مع إمكانية تقدّم المعنيين بطلب إنهاء خدماتهم دون حقهم بالإفادة من معاش التقاعد أياً كان عدد سنوات الخدمة والاستفادة فقط من تعويض الصرف من الخدمة أو المحسومات التقاعدية).

– ألغت «المالية» المادة 105 (استفادة موظفي الفئة الثالثة من خدمات الاستشفاء على أساس الدرجة الثانية) من المشروع. وهو ما كانت اتفقت عليه مع روابط التعليم والاساتذة والإدارة العامة. كما طالب العسكريون المتقاعدون بإلغائها.

– المادة 110 تلزم المصارف تسديد الودائع بالعملة الأجنبية التي تودع لديها أو من خلال تحويلات مصرفية خارجية اعتباراً من تاريخ نشر هذا القانون بالطريقة عينها التي أودعت فيها بناء على طلب صاحب العلاقة. كما ترفع هذه المادة قيمة الضمانة على هذه الودائع إلى 50 ألف دولار وما يعادلها بالعملات الأجنبية. في الملاحظات إشارة إلى أن خطورة هذه المادة تكمن في أنها تتعرض لموضوع سيادي وهو القوة الإبرائية للتسديد بالعملة الوطنية.

 

مصدرجريدة الأخبار - إيلي الفرزلي
المادة السابقةوزني يطّلع على نتائج ميزانية “الريجي” لعام 2020
المقالة القادمةالشركات «تشدّ الخناق» على الصيدليات: أزمة الدواء إلى تفاقم