ما تشهده لجنة المال والموازنة ابتداء من غداً الاثنين سابقة تستوجب المتابعة عن قرب وحشد كل ما يمكن تأمينه من زخم لتحقيق خطوات إصلاحية جدية وحقيقية.
فبعد سنوات التدقيق في الملفات المالية نجحت لجنة إبراهيم كنعان في إنهاض الموازنة والحسابات المالية وقطوعات الحسابات من بين الأموات لإعادة تنظيم الانفاق بعدما شرع فؤاد السنيورة صرف كل وزير على هواه، لتبدأ اليوم معركة جديدة عنوانها المعلن هو مناقشة التوظيف غير القانوني، أما مضمونها الحقيقي فهو إعادة هيكلة القطاع العام.
لا شك في هذا السياق أن رئيس لجنة المال استفاد من مخالفة الوزراء للمادة 21 من قانون سلسلة الرتب والرواتب التي تمنع أي تعاقد أو توظيف جديدين في الإدارة العامة ليسطر مذكرة جلب لجميع الوزارات إلى لجنته ليقارن بين أعداد الموظفين والحاجة الحقيقية لهذه الإدارات.
ما سيحصل في الأيام القليلة المقبلة إنما يحصل لأول مرة بعد عقود من المطالبة بإيقاف التوظيف الزبائني – التوظيف السياسي – التوظيف الانتخابي. كل شعارات الأحزاب والمبادئ التي يتشدقون بها هنا وهناك سيُقرّشها كنعان الآن: الاثنين نقاش عام؛ أما الثلاثاء فتستجوب وزارة التربية؛ الوزارة التي تصدرت المخالفين للقانون عبر التعاقد – خلافاً للقانون – مع مئات الأساتذة مع الثانويات الرسمية والمدارس الرسمية والمديرية العامة للتعليم المهني والتقني؛ وهذه ستكون مناسبة للسؤال عن المدارس الرسمية التي يشاع إن عدد الأساتذة فيها أكثر من عدد التلامذة. كم يبلغ عدد الأساتذة لكل مئة تلميذ في القطاع الخاص، وكم يبلغ عدد الأساتذة لكل مئة تلميذ في المدارس الرسمية؟ يفترض بوزير التربية أن يعلل إجاباته إذا كان يريد الحصول على أجور هؤلاء من الآن وصاعداً. الرهان على لجنة المال والموازنة كبير؛ لا بدّ من إغلاق كاريتاس؟ من يرغب من النواب بخدمة فلان وعلتان من ناخبيه عليه أن يفعل ذلك من ماله الخاص؛ خزينة الدولة اللبنانية ما عادت تحتمل. الأربعاء تمثل وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية؛ الوزير غسان حصباني خالف القانون الذي يمنع التوظيف لكن لا يفترض الوقوف عند العام الماضي فقط؛ لا بدّ من منح الوزير الجديد مهلة زمنية لتحديد حاجة وزارته الفعلية وأعداد الموظفين، ولا بد من أن يلعب التفتيش دوره هنا فيحدد وفي جميع الوزارات مّن مِن هؤلاء الأجراء يحضر ومن لا يحضر، ومن يحضر ليعمل ومن يحضر ولا يعمل. بعد ذلك، الخميس تمثل وزارة الاتصالات وأوجيرو التي وزع تيار المستقبل الوظائف فيها عشية الانتخابات كما توزع الإعاشة في الأحياء الفقيرة. إذا كان تيار المستقبل جدياً في مقاربته لضرورة الإصلاح الاقتصادي لا بدّ أن يرفع الغطاء السياسي عن عقود التعاقد، هنا كما في التربية كما في إدارات كثيرة أما الطرف الثاني المعني بشكل جديّ وكبير بما ستشهده لجنة المال فهو الرئيس نبيه بري الذي خاض المعارك الضارية ضد إقالة المياومين في “الكهرباء”، علماً أن عديد الموظفين في مديريات وزارة المال ومجلس الجنوب وبعض الإدارات العامة المحسوبة على حركة أمل يكفي لملء الإدارات في ثلاثة بلدان بحجم لبنان. مع العلم أن الرئيس بري تلقف مبادرة كنعان فاستقبله وشجعه وأثنى بحماسة على ما ينوي القيام به.
الصدمة الإيجابية مطلوبة هنا؛ سترتفع أصوات المعارضين والمعترضين من المنتفعين من هذا التوظيف العشوائي؟ طبعاً وأكيد، لكن الإدارة اللبنانية لا تحتمل الحشو الحاصل: 179 موظف في التفتيش المركزي، 110 في إدارة الإحصاء المركزي في بلد لا يوجد فيه “رقم” واحد، 700 في الهيئات الدينية الإسلامية التابعة لرئاسة مجلس الوزراء. 206 في هيئة إدارة السير والمركبات. 2447 في مديرية المالية العامة، 694 في مديرية الشؤون العقارية، 18 في مديرية اليانصيب، 22 في معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي. أما مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك فعدد موظفيها 253، لا شك أن جميع اللبنانيين يتحرقون لمعرفة ما يفعلونه. علماً أن التنظيم المدني الذي تظهر إبداعاته واضحة في الخريطة اللبنانية فيبلغ عديد موظفيه 321، و296 في المديرية العامة للنقل البري والبحري. أما وزارة التربية فهي خزان التوظيف السياسي والخدماتي المرعب بعدد موظفين يبلغ نحو 50 ألفاً، مقابل نحو خمسة آلاف في “الصحة”. واللافت هنا أن عدد الموظفين في “أوجيرو” وحدها بات يبلغ 3286 موظفاً، بينهما 453 وظفوا عشية انتخابات 2018.
أرقام خيالية ستكون مادة نقاش دسم في لجنة المال والموازنة طوال هذا الأسبوع؛ نقاش سيكشف زيف خطابات الأسبوع الماضي ويبين بوضوح من يريد إصلاح الإدارة اللبنانية ومن يريد الحفاظ على ما يعتبره مكتسبات وهو في واقع الأمر جزء أساسي من الأزمة التي نتخبط بها.