يطالب الأجراء زيادة الحد الأدنى الشهري للأجور، في ضوء أسوأ أزمة يعيشها الاقتصاد منذ الحرب اللبنانية، إن لم تكن الأسوأ على الإطلاق.
هذه الأزمة بأكملها انعكست على المواطن اللبناني، من غلاء إلى فقدان فرص العمل وارتفاع نسب البطالة.
ويخشى الأجراء ممن بقوا في أعمالهم، التصعيد في مطالباتهم بزيادة الأجور، خوفاً من تسريحهم وانضمامهم إلى المليون شخص العاطل عن العمل في لبنان بحسب آخر دراسة لـ “الدولية للمعلومات”.
ويغيب عن الأجراء حقّهم القانوني في رفع أجورهم، خاصة أن الحد الأدنى بات لا يتعدّى مستوى 90 دولاراً شهرياً، يقابله ارتفاع في معدّل التضخم بأكثر من 136% خلال العام 2020.
فبماذا ينصّ القانون بخصوص رفع الحد الأدنى للأجور؟ وهل نشهد هذه الخطوة العام المقبل؟ وما الإجراءات التي يقتضي اتخاذها لحماية الأجور؟
هذه الأسئلة وغيرها أجاب عنها المحامي د. شربل عون عون المستشار المعتمد لدى عدة هيئات دولية.
هل الحكومة اللبنانية مُلزمَة بزيادة الحد الأدنى للأجور؟
“إن الحد الأدنى الشهري للأجور في لبنان قيمته 675 ألف ليرة، موزّع على أساس 30 ألف ليرة لليوم الواحد دون احتساب بدل النّقل، وفق ما أقر بموجب مرسوم تصحيح الأجور رقم 7420 تاريخ 25/01/2012؛ ومن الناحية القانونية، فإن زيادة الحد الأدنى للأجور يجب أن تحصل دورياً في لبنان وذلك سنداً لعدة مواد واتفاقيات عمل عربية ودولية.
وترتبط المواد رقم 44 و45 و46 من قانون العمل اللبناني بهذا المجال وتنص على ما يلي:
المادة 44: “يجب أن يكون الحد الأدنى من الأجر كافياً لسد حاجات الأجير الضرورية وحاجات عائلته، على أن يؤخذ بعين الإعتبار نوع العمل، ويجب أن لا يقل عن الحد الأدنى الرسمي”.
المادة 45: “يقوم بتحديد الحد الأدنى لجان تمثل فيها وزارة الاقتصاد وأرباب العمل والأجراء”.
المادة 46: “يعاد النظر في تحديد الأجر الأدنى كلما دعت الظروف الاقتصادية لذلك”.
أما فيما يتعلق بالاتفاقيات العربية والدولية، فإن “اتفاقية منظمة العمل الدولية” رقم 131 المبرمة في لبنان بموجب المرسوم رقم 70 تاريخ 25/06/1977، والتي ألزمت بموجبها كافة الدول المصادقة بتحديد الحد الأدنى للأجور وتعديلها كلما دعت الحاجة.
فيما تؤكد “اتفاقية العمل العربية” رقم 15 تاريخ 1983 المبرمة في لبنان بموجب القانون رقم 183 تاريخ 24/05/2000، على أن يكون الحد الأدنى للأجور كافياً للأجير للعيش بمستوى لائق، كما نصت المادة 20 منها، على أن تراجع اللجنة المتخصصة بدراسة الحد الأدنى للأجور دورياً لفترات لا تزيد عن سنة.”
من الناحية العملية والقانونية، كيف تتم زيادة الحد الأدنى للأجور في لبنان؟
“إن زيادة الحد الأدنى للأجور في لبنان تتم من خلال لجنة مؤشر الغلاء المنشأة بموجب المرسوم رقم 4602 تاريخ 8/8/1981 والمؤلفة وفقاً لما يلي:
– وزير العمل رئيساً
– مدير عام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية نائباً للرئيس
– ممثلان عن الدولة
– ممثلان عن الهيئة الاقتصادية
– ممثلان عن “الإتحاد العمالي العام”
– موظف من وزارة العمل
ومن إحدى المهام الرئيسية للجنة، درس سياسة الأجور وتقديم المقترحات والتوصيات الهادفة إلى مكافحة الغلاء والحد من ارتفاع الأسعار، ويتم دعوتها من قبل وزير العمل.”
هل نشهد زيادة الحد الأدنى للأجور خلال 2021؟
“إن زيادة الحد الأدنى للأجور لا يمكن أن تحصل في الوقت الحالي، لأنه هناك عدة أسعار للدولار الأميركي، وبالتالي إن أية دراسة أو زيادة للحد الأدنى للأجور قبل تثبيت سعر الصرف الرسمي ستكون غير دقيقة وغير منصفة لأرباب العمل والأجراء على السّواء؛ هذا مع العلم بأن الحد الأدنى للأجور في لبنان أصبح يوازي حالياً نحو 80 إلى 90 دولاراً، وهو يعدُّ منخفضاً جداً مقارنة مع باقي الدول وحتى الفقيرة منها.
وفي نظرة سريعة، يمكن رؤية الفرق بين الحد الأدنى للأجور في لبنان وبعض الدّول الأخرى:
– المغرب: 310 دولارات
– إيران: 261 دولاراً
– ماليزيا 243$ دولاراً
– ألبانيا 210 دولارات
– مصر 173 دولاراً
– أوكرانيا 140 دولاراً
– باكستان: 113 دولاراً”
إذا لم يتم تعديل الحد الأدنى للأجور بشكلٍ رسمي في الوقت الحالي، ما هي الإجراءات التي يقتضي اتخاذها لحماية الأجور؟
“إن عدداً كبيراً من أرباب العمل لجأ إلى تحويل الأجر من الدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانية من دون أخذ موافقة الأجير؛ هذا الأمر بالتأكيد يضرُّ بمصلحة الأجير كون أجره الحالي لم يعد يوازي قيمة أجره الحقيقي الذي على أساسه تم التعاقد مع رب العمل.
وأنا برأي، كان يجب على وزارة العمل التدخل في هذا الأمر عن طريق مراقبة أرباب العمل وإلزامهم بعض الشيء، إلى ضرورة الإلتزام بالعملة التي تم على أساسها التعاقد، علماً بأن بعض أرباب العمل قد عمد من تلقاء نفسه إلى تصحيح وضع الأُجراء لديه عن طريق تسديد جزء من الراتب بالدولار الأميركي والجزء الآخر بالليرة اللبنانية.
من ناحية أخرى، لا بُدَّ من الإشارة إلى أن وضع أرباب العمل ليس سليماً أيضاً، لأنه لم يتم مساعدتهم من خلال الحكومة الحالية خلال أزمة “كوفيد-19″، بعكس ما قامت به معظم الدول العربية والأجنبية لأصحاب المصالح والشركات عندما قدَّمت لهم تحفيزات ضريبية ومساعدات مالية لا بأس فيها.”
ماذا عن تعويض الصرف التعسفي وعن الدعاوى التي لا تزال عالقة أمام المحاكم؟
“إن مسألة إحترام العقود الموقعة بين أرباب العمل والأجراء، تعدُّ أمراً أساسياً في القانون والاجتهادات، وبالتالي فإن العملة المشار إليها في العقود لابُدَّ للمحاكم أن تحترمها عند صدور الأحكام؛ فإذا كانت بالدولار الأميركي، يجب أن تصدر الأحكام على هذا الأساس، وإذا كانت بالليرة اللبنانية، لا يمكن للمحاكم أن تتخطى هذا الأمر وتصدر أحكامها بالدولار أو أن تعدِّل من تلقاء نفسها قيمة الأجر، فسوف تصدر الأحكام بالليرة اللبنانية في نهاية المطاف.”