لا يوفّر المسؤولون الإيرانيون مناسبة لتجديد استعداد بلادهم لـ”بيع” المنتجات النفطية إلى لبنان والمساعدة في “فك الحصار” وإنهاء الأزمة التي تعصف باللبنانيين. التصاريح توحي بأن لبنان ممنوع عليه استيراد المحروقات، وبأن الخلاص يتمثّل بالنفط الايراني. الفرضيتان خاطئتان شكلاً ومضموناً. فإذا وضعنا العقوبات جانباً، فإن الحكومة اللبنانية أو الشركات الخاصة ستشتري النفط من ايران بسعر السوق العالمي. وهو ما تستطيع فعله مع أي دولة من دون “وجعة راس” العقوبات، حالما تتأمّن الأموال.
إذاً المشكلة في عدم توفر السيولة بالعملة الأجنبية وليس بالإمدادات الخارجية. واذا سلّمنا جدلاً بنظرية قبول إيران بدفع لبنان ثمن المحروقات بالليرة، فهل يتحمّل اقتصادها المنهار إعطاء لبنان مشتقات نفطية بقيمة تتجاوز 3 مليارات دولار سنوياً؟ وماذا يمكن أن تشتري إيران بهذا المبلغ الهائل من لبنان إن كانت مجمل صادراته الصناعية والزراعية لا تتجاوز الـ 4.4 مليارات دولار في أحسن الأحوال؟ هل يمكن أن تتحول هذه الليرات إلى معاشات لمحسوبين على النظام داخل لبنان؟ أو تصرف في السوق السوداء؟
في المقابل، هل يمكن للبنان المنهار الاعتماد على إيران المعاقبة والمحاصرة لحل أزماته؟ يخلص أحد الخبراء مما تقدم إلى أن “الهوبرة” الإعلامية هي مجرد “لعبة سياسية”، نتائجها لن تتعدى وصول بعض البواخر المحمّلة بكميات قليلة من المشتقات النفطية لتنفيس الضغط الشعبي. وبعد تبيان عجز كميات النفط الايراني عن حل المشكلة بعد أيام قليلة، سيعود الكلام الجدي عن كيفية تأمين مصرف لبنان الدولار لاستيراد المحروقات، بما أنه أخذ على عاتقه تأمين العملة الصعبة للشركات النفطية على وجه التحديد.
وهنا يبرز السؤال عن العلاقة التي قد تربط بين رفع سقف السحوبات بالليرة واستيراد المحروقات. حيث قد يلجأ “المركزي” إلى حل من إثنين: إما استعمال التوظيفات الإلزامية لفتح اعتمادات المحروقات، وضخّ الكميات الهائلة من العملة اللبنانية التي سيحملها التجار نقداً إلى “المركزي”، لتمويل رفع سقف السحوبات بالليرة لحسابات الدولار من المصارف، وإما سيُبقي على سقف السحوبات كما هو، ويشتري بنفسه بالليرات الدولار من السوق السوداء، آملاً في التحكم بهذه السوق والسيطرة على ارتفاع سعر صرف الدولار. وفي الحالتين سيدفع المودعون والمواطنون الثمن ولن تُحل أزمة المحروقات.
فبحسب مصادر متابعة، فإن مصرف لبنان سيفتح الاعتمادات للمحروقات بعد رفع الدعم على أساس سعر منصته أي 16500 ليرة، فيما سعر السوق يتجاوز الـ 19500 ليرة، هذا الفرق المقدر بـ 3000 ليرة للدولار سيُبقي السوق السوداء ناشطة في المحروقات، ولن يلغي الطوابير على المحطات. خصوصاً في حال استمر مصرف لبنان بالتقنين في فتح الاعتمادات للتجار. كل الحلول لا تصبّ في جوهر الأزمة الذي يتمثل بعجز فاضح نتيجة تدهور الوضع السياسي، وعدم البدء بالاصلاحات المطلوبة، وتحديداً في الكهرباء والقطاع العام ومؤسسات الدولة، واستمرار إهمال إعادة هيكلة المصارف وتوزيع الخسائر وتحمّلها. وقبل البدء بالاصلاح الجدي لن تكون الحلول ترقيعية فحسب، بل ستفاقم المشكلات أكثر وتدفع البلد إلى قعر الهاوية.