المحروقات تقطّع أوصال الاقتصاد

توحّد اللبنانيون خلف وصف الارتفاع الأخير بأسعار المحروقات بـ”المجنون”. ولم ينجح تبرير وزارة الطاقة غير المسبوق لكيفية تركيب جدول الأسعار من تبريد غضبهم. فالبنزين ارتفع بنسبة تفوق 24 في المئة في ظرف أسبوع واحد، قافزاً فوق عتبة 300 ألف ليرة للصفيحة الواحدة. وفي الوقت الذي سجل فيه المازوت والغاز ارتفاعات أقل نسبياً، بلغت بحسب الجدول 15 و12 في المئة على التوالي، فان الاسعار على أرض الواقع اختلفت جذرياً. فقارورة الغاز المحدد سعرها بـ 229600 ليرة تباع في المحال بأكثر من 245 ألف ليرة، والسبب، أن الجدول لا يأخذ في الاعتبار عمولة الموزع التي ارتفعت من 2000 ليرة إلى 12 ألفاً، وما زال يحدد عمولة المحل بـ 500 ليرة، فيما تتقاضى المحلات فعلياً ربحاً بين 10 و12 ألف ليرة. أما بالنسبة إلى المازوت فلا أحد يلتزم ببيع الطن الواحد بـ 640 دولاراً كما هو محدد، وقد وصل سعر البيع في السوق إلى 730 دولاراً.

أمام واقع تحرير أسعار المحروقات الذي لا مفر منه شئنا ام أبينا، تبرز الدولة بوصفها المقصّر الأكبر. وكي لا يكون الاتهام في العموم فان الحكومات المتعاقبة منذ تشرين العام 2019 تتحمل المسؤولية المباشرة عما آلت اليه الأمور. فعلى الرغم من وضع البلد على منزلق الفقر الخطير لم تأخذ خطوة واحدة لحماية الفئات الهشة والضعيفة. فلم تتفق منذ أكثر من عام على اعطاء البطاقة التمويلية، ولم تقم بإصلاح واحد لفتح باب المساعدات الدولية، ولم تصلح الكهرباء، ولم تضع خطة للنقل العام المشترك رغم وجود قروض مخصصة لهذا الشأن، ولم تعد هيكلة القطاع المصرفي وتخفف العبء عن ملايين المودعين، ولم تنجز التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، واستمرت في التعطيل والمناكفات والمقاسمة والمحاصصة على جيفة البلد… فكانت النتيجة سقوط 90 في المئة من الشعب اللبناني ضحية تشليع سقف الحماية الاجتماعية من فوق رؤوسهم، وتركهم عراة في مواجهة ارتدادات سياسات السلطتين النقدية والسياسية على مدار السنوات الماضية.

وفوق هذا كله حل الاهتمام بالانتخابات النيابية مكان الاصلاحات الجذرية، وأدخلت اهتمامات الناس الحياتية ومهمة انقاذ الاقتصاد وتعافي البلد في ثلاجة لما بعد الانتخابات الرئاسية. ولم يعد من طريقة للحد قدر الامكان من المخاطر، إلا الاستغاثة والعيش لفترة من الزمن على المساعدات المالية والعينية للدول الصديقة والقريبة.

مخاطر ارتفاع أسعار المحروقات من دون تأمين البدائل لم تعد مقتصرة على القطع الخجول للطرقات احتجاجاً، كما شهدنا أمس في الصيفي وساحة الشهداء ومستديرة النجمة في صيدا… إنما تخطتها هذه المرة إلى تقطيع أوصال الاقتصاد.

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةوزارة الطاقة تُعلن كيفية احتساب أسعار المحروقات
المقالة القادمة“ألفاريز ومارسال” تباشر التدقيق في حسابات “المركزي”