لم ينجح وزراء المال الأوروبيون في التوصل إلى اتفاق بعد ليلة طويلة من المباحثات حول خطة إنعاش بعد تفشي فيروس «كورونا المستجد»، إذ لا تزال دول الشمال معارضة لدول الجنوب التي تدعو إلى جهد مالي غير مسبوق في صيغة ديون مشتركة. بينما قال مسؤولون لـ«رويترز» إن البنك المركزي الأوروبي أبلغ وزراء مالية منطقة اليورو بأن التكتل قد يحتاج إلى تدابير مالية بقيمة تصل إلى 1.5 تريليون يورو (1.6 تريليون دولار) للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الناجمة عن وباء فيروس «كورونا». وأحجم متحدث باسم البنك عن التعليق.
وأضاف المسؤولون أن مفوضية الاتحاد الأوروبي قالت خلال اجتماع عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، إن اقتصاد التكتل قد ينكمش بما يقدّر بـ10% هذا العام، لكن لا يزال الوزراء منقسمين بخصوص كيفية دعم الاقتصاد وأخفقوا في الاتفاق على نص مشترك.
وأعلن ماريو سينتيو، رئيس مجموعة اليورو التي تضم وزراء مالية الاتحاد الأوروبي، في تغريدة له عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «لقد تقرر تعليق المحادثات الأربعاء، على أن تُستأنف الخميس… في طريقنا إلى وضع اتفاق لكننا لم نصل إليه بعد». وأضاف: «يبقى هدفي هو ذاته: شبكة أمان أوروبية قوية لمواجهة تداعيات كوفيد – 19 (لحماية العمال والشركات والدول) والشروع في خطة إنعاش واسعة».
ورأى موقع «ماركت ووتش» الاقتصادي أن فشل التوصل لاتفاق حول سبل مواجهة «كورونا» يعكس حجم الخلافات بين أعضاء الكتلة الأوروبية بشأن كيفية تقاسم التكلفة الاقتصادية الباهظة لأزمة تفشي «كورونا» في مختلف أنحاء القارة العجوز التي أصبحت بؤرة انتشار المرض عالمياً.
ويرتكز أول رد اقتصادي أوروبي على ثلاثة محاور يبدو أنها كانت تحظى مبدئياً بموافقة الوزراء، تشمل قروضاً بقيمة 240 مليار يورو من صندوق خطة إنقاذ منطقة اليورو، وصندوق ضمان للشركات، ودعم البطالة الجزئية. لكن إيطاليا -الدولة الأكثر تضرراً من الوباء (17127 وفاة)- ودول أخرى في منطقة اليورو تطالب أيضاً بإنشاء «أداة» تسمح للدول الـ19 التي تبنت العملة الموحدة باللجوء إلى الاقتراض المشترك، على شكل سندات «كورونا بوند». ومن بين هذه الدول، إسبانيا وفرنسا واليونان ومالطا ولوكسمبورغ وآيرلندا، حسب مصادر متطابقة.
وقال المسؤولون الذين شاركوا في الاجتماع، الذي انتهى أمس (الأربعاء)، دون اتفاق بعد محادثات استمرت 16 ساعة، إن ألمانيا وهولندا ودول أخرى بشمال أوروبا كانت مستعدة لدعم إجراءات للاتحاد الأوروبي بقيمة 500 مليار يورو.
وأضافوا أن دعم الاتحاد سيعزز إجراءات وطنية، لكن الجهد المالي الكلي قد لا يكون كافياً لتلبية مجمل الاحتياجات المالية. وذكر المسؤولون أن فرنسا وإيطاليا وإسبانيا قالت إن تمويل الجهد الأوروبي للتعامل مع الأزمة يجب أن يزيد كثيراً على تريليون يورو هذا العام، وهو ما يتفق مع تقدير البنك المركزي الأوروبي للاحتياجات المالية بما يتراوح بين تريليون و1.5 تريليون. وأضافوا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق وهو ما يرجع بالأساس إلى معارضة من هولندا وإيطاليا.
وتريد إيطاليا اتفاقاً أكثر طموحاً مع إشارات أوضح لإصدار دين مشترك في المستقبل، بينما تضغط هولندا من أجل وضع شروط لأي خط ائتمان يقدمه الاتحاد للدول التي تحتاج إليه.
وبدلاً من مناقشة دين مشترك فرضي، تفضل دول شمال أوروبا حالياً التركيز على الأدوات الموجودة للتصدي للصدمة الاقتصادية، خصوصاً آلية الاستقرار الأوروبي المزودة بـ410 مليارات يورو.
وتم إنشاء صندوق آلية الاستقرار الأوروبي في عام 2012 خلال أزمة الديون في منطقة اليورو لمساعدة الدول التي تفقد القدرة على الاقتراض من الأسواق العالمية. ويمنح الصندوق القروض إلى دولة تواجه صعوبة تصل إلى 2% من ناتجها المحلي الإجمالي، لقاء مقابل محدد أكثر من المعتاد… وترى روما أن هذا الصندوق «غير مناسب» بتاتاً.
ومن المتوقع أن يقوم بنك الاستثمار الأوروبي بإنشاء صندوق ضمان أوروبي، لكن يجب التباحث حول حجمه. وهو يقترح، من جهته، منحه 25 مليار يورو، من خلال كفالة تقدمها الدول الأعضاء، من أجل تخصيص نحو 200 مليار يورو إضافية للشركات.
كما من المنتظر أن يصادق الوزراء على خطة المفوضية الأوروبية الهادفة إلى إنشاء أداة لضمان منح نحو 100 مليار يورو للخطط الوطنية للبطالة الجزئية التي تفاقمت جراء الوباء. وفي مرحلة لاحقة يجب رفع المقترحات إلى رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي.
وكان قادة دول الاتحاد قد منحوا وزراء المالية مهلة أسبوعين من أجل وضع أطر اتفاق حول حزمة تدابير اقتصادية تخفف من حجم الأضرار الناجمة عن «كورونا» تنتهى صلاحيتها الخميس.
ويأمل وزراء المالية الأوروبيون بلورة خطة دعم توفر نحو نصف تريليون يورو لإنقاذ الاقتصادات وتوفير سيولة نقدية للشركات المنكوبة ودعم الحكومات الأوروبية التي تواجه صعوبات مالية.