يتأهب المستثمرون العالميون للمراهنة على الصين مرة أخرى، في تحول كبير بالمشاعر أشعلته جهود بكين لعكس تباطؤها الاقتصادي، وإحياء الاهتمام طويل الأجل بأسواق الأسهم.
ورغم أنها الأيام الأولى عقب التحفيز، حيث لا يتوقع سوى عدد قليل من مديري الأموال طفرة نمو صينية في أي وقت قريب، فإن تحركات الحكومة لجذب مزيد من النقد إلى الأسهم وتحفيز الإنفاق الاستهلاكي، عززت جاذبية تقييمات الشركات الصينية التي لا تزال منخفضة، حسبما قال مستثمرون في مجموعات تشرف على أكثر من 1.5 تريليون دولار من صناديق العملاء فيما بينها.
وقال غابرييل ساكس، مدير محفظة الأسواق الناشئة في «أبردن» التي تدير أصولاً قيمتها نحو 677 مليار دولار: «سنكون حذرين للغاية، ولكن في المجمل نشعر أن هناك مزيداً من الصعود أكثر من الهبوط». وأضاف أن المجموعة اشترت أسهماً صينية «انتقائية» الأسبوع الماضي، وستنتظر خططاً سياسية أكثر تفصيلاً من بكين بعد بعض تعهدات الدعم الاقتصادي الصريحة بشكل غير عادي، والتي أدت إلى ارتفاع حاد في سوق الأسهم في الأيام الأخيرة.
وانكمش نشاط المصانع في الصين للشهر الخامس على التوالي، وتباطأ قطاع الخدمات بشكل حاد في سبتمبر (أيلول)، مما يشير إلى أن بكين قد تحتاج إلى التحرك بشكل عاجل لتلبية هدف النمو بنسبة 5 في المائة لعام 2024.
وأظهرت البيانات التي أرسلها سكوت روبنر، استراتيجي «غولدمان ساكس»، إلى العملاء، أن المستثمرين المؤسسيين على المدى الطويل ظلوا على الهامش في الغالب الأسبوع الماضي، حيث دفعت صناديق التحوط الأسهم الصينية إلى الارتفاع للاحتفاء بوفرة التحفيز.
وقال روبنر إن حيازات الأسهم الصينية لدى صناديق الاستثمار المشترك تقلصت إلى 5.1 في المائة من المحافظ، وهو أدنى مستوى لها منذ عقد من الزمان، في أواخر أغسطس (آب).
وتلقت ثقة المستهلك الصيني ضربات قاسية من أزمة العقارات التي ترجع جذورها إلى تحركات الرئيس شي جينبينغ لوقف كومة من الديون العقارية الخطرة التي تقدر بأكثر من تريليون دولار من النمو. وفي الوقت نفسه، تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة والصين.
لكنّ المستثمرين يعتقدون أن المد بدأ يتحول، بعد أن وعدت السلطات في بكين بالإنفاق حسب الضرورة لتحقيق هدف النمو البالغ 5 في المائة، كما خففت بعض القيود المفروضة على شراء المساكن، وخفضت أسعار الإقراض المصرفي، وعرضت على السماسرة أموالاً رخيصة لشراء الأسهم.
وقالت ناتاشا ابتهاج، من «أرتميس فاند مانجرز»: «هناك فجوة كبيرة بين ما يتم تسعيره من تقييمات الأسهم الصينية، وبين هذا السرد السياسي المحسن». وأضافت أنها زادت حيازاتها من الأسهم الصينية في الأيام القليلة الماضية، واتخذت بعض المواقف الجديدة.
وسجلت الأسهم الصينية أفضل مكاسب يومية لها منذ عام 2008 يوم الاثنين، لكنّ المستثمرين حذروا من توقع مزيد من هذه التحركات القصيرة الأجل. وقال جورج إفستاثوبولوس، مدير المحفظة في «فيديليتي إنترناشيونال» ومقرها سنغافورة: «هذا ارتفاع فني مدفوع بالسيولة»، مضيفاً أنه من المحتمل أن يكون ناجماً جزئياً عن قيام البائعين على المكشوف بفك رهاناتهم على انخفاض أسعار الأسهم. وكذلك قال ساكس من «أبردين»: «ربما يكون هناك كثير من التغطية القصيرة، وربما يكون هناك كثير من صناديق التحوط التي تقفز للحصول على عوائد قصيرة الأجل».
وسحب المستثمرون صافي 1.4 مليار دولار من صناديق الأسهم الصينية الكبرى التي تتبعها بيانات «ليبر» حتى الآن في عام 2024 مما عكس كل التدفقات الواردة من عام 2023، وهو عام تميّز بآمال غير محققة لزيادة إنفاق المستهلك بعد انتهاء عمليات الإغلاق الصارمة بسبب «كوفيد – 19».
وقال إفستاثوبولوس إنه سينتظر ارتفاع ثقة المستهلك الصيني قبل شراء مزيد من الأسهم الصينية. بينما قال مارك تينكر، كبير مسؤولي الاستثمار في «توسكا فند هونغ كونغ»، وهو صندوق تحوط، إن إجراءات بكين أظهرت أن الصين قد تبني طلباً مستداماً للأسر بدلاً من ملاحقة النمو السريع بطفرة أخرى في العقارات أو البنية التحتية. وأضاف أن «النمو بنسبة 5 في المائة لا يستحق العناء، إذا كان كل ما تفعله بكين هو تشجيع مزيد من الرافعة المالية المزعزعة للاستقرار».
وقال لوكا باوليني، كبير الاستراتيجيين في «بيكتيت» لإدارة الأصول، التي تشرف على أكثر من 291 مليار دولار من أموال العملاء، إن المستثمرين ربما تجاهلوا احتمالات خفض أسعار الفائدة الأميركية لتعزيز الطلب العالمي والصادرات الصينية.
وبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في 18 سبتمبر دورة تخفيف نقدي طال انتظارها بخفض كبير في أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس. وقال باوليني: «ما نقوله لعملائنا هذا الأسبوع هو أنه إذا لم يكن لديك أي شيء في الصين فقد ترغب في إضافة بعض المراكز».
وقال نويل أوهالوران، كبير مسؤولي الاستثمار في «كيه بي آي غلوبال إنفستورز»، إنه بدأ شراء الأسهم الصينية هذا الصيف على أساس التقييم، ولن يحقق أرباحاً بعد. متابعاً: «فيما يتعلق بالتخصيصات للصين، من المبكر للغاية أن يغير كثيرون تخصيصاتهم… ولكن أعتقد أن الاتجاه لا يمكن أن يسير إلا في اتجاه واحد، وهو الصعود».