أمس، وفي صلب أزمة الدواء وامتناع مصرف لبنان عن صرف مستحقات المستوردين لتحرير الأدوية من المستودعات، نزل خبر «سحب» مجموعة من المستوردين لملفات دعم حليب الأطفال (من عمر سنة إلى ثلاث سنوات) من وزارة الاقتصاد كالصاعقة. إذ قرّر هؤلاء «تحرير» ملفاتهم من الدعم الذي كان على أساس سعر صرف 3900 ليرة للدولار، والعودة إلى «حساباتهم» على أساس سعر صرف السوق السوداء!
لم يكد الخبر يتسرب، حتى طار سعر الحليب. فما كان بـ 60 ألف ليرة بات بعد الخبر بـ 240 ألفاً… و«الحبل ع الجرار». وهذا ليس خبراً عابراً في ظل انهيار يجد فيه المواطنون أنفسهم عاجزين تماماً أمام حفنة من التجار استسهلوا تحمّل حرمان الأطفال من قوت يومهم، على تحمّل انتظار بعض الوقت لأموالٍ سيقبضونها عاجلاً أو آجلاً. وهو ما وصفه رئيس لجنة الصحة النيابية، عاصم عراجي، بـ«التصرف اللاأخلاقي من مجموعة من الأشخاص استفادوا من البلاد كثيراً، وعند أول مطبّ تبيّن أنهم لا يتمتعون بذرّة من الحس الوطني»، داعياً في هذه «اللحظة المفصلية إلى العمل على إلغاء احتكارات التجار كي لا نقع في الأزمة كل مرة».
في المبدأ، ما قام به بعض المستوردين من خلال الطلب من وزارة الاقتصاد سحب ملفات الدعم «يعني أن الجواب نعم»، بحسب مصادر وزارة الاقتصاد، أشارت إلى أن «عدداً من المستوردين اجتمعوا واتخذوا قراراً وطلبوا منا سحب ملفات الدعم من مصرف لبنان لأن ما بقى بدهن». هكذا، بهذه البساطة، قرر هؤلاء ترتيب أولوياتهم على أساس مصالحهم، متذرّعين بـ«تأخر مصرف لبنان في صرف المستحقات، فيما الشركات والتجار خارجاً باتوا يتململون من الوضع».
بالنسبة الى التجار والمستوردين، «الأَوْلى هو عكس السؤال»، و«ما فعله مصرف لبنان أدى إلى هذه النتيجة». يؤكد بعض هؤلاء أنهم لم يلجأوا إلى سحب ملفاتهم، «لأن ما هو موجود في الوزارة والمصرف وتحوّل على التنفيذ لا يمكن التصرف به». إلا أنهم يشددون على أنهم لن يسلكوا مجدداً هذا الطريق. فـ«ما بعد اليوم، لن يمر عبر تلك الآلية»، على ما يقول أحد الموردين، وذلك لأن «بعض الشركات والتجار في الخارج أوقفوا التعامل معنا، وآخرون وضعونا على البلاك ليست».
هاني بحصلي، رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان، حاول التخفيف من وطأة ما فعله التجار، انطلاقاً من أنه «ليس بإرادتهم». فالمشكلة تكمن في أن «المصرف المركزي توقف عن الدفع، والتجار ليسوا قادرين على تكبّد خسائر إضافية وعلى خسارة موردهم في الخارج». أضف إلى ذلك أن هؤلاء «لا يمكنهم المخاطرة ببيع بضائعهم على السعر المدعوم قبل أن يدفع مصرف لبنان». بين التجار ومصرف لبنان، يدفع المواطنون الثمن. وهو، هذه المرة، باهظ جداً. إذ بات سعر علبة حليب يوازي ربع الحد الأدنى للأجور، وقد يرتفع ليوازي نصفه.