رغم سعر الفائدة المنخفضة التي تجعل الظروف ملائمة للشركات والأفراد للحصول على تمويلات رخيصة لمشترياتهم، وتنفيذ صفقات شراء المساكن، ترفع العديد من المصارف التجارية في أميركا وأوروبا من شروط ومعايير منح قروض جديدة أو حتى الاحتفاظ بخطوط الائتمان لزبائنها، وهو ما يزيد من صعوبات الحصول على تمويلات جديدة، وذلك وفقاً لتقرير مصرف الاحتياط الفدرالي “البنك المركزي” لشهر يوليو/ تموز الماضي، ومسح جديد للبنك المركزي الأوروبي لتوجهات المصارف التجارية الأوروبية.
على الصعيد الأميركي، يراوح معدل الفائدة المصرفية في أميركا بين 0.5% و0.75%، كذلك تتوفّر لدى المصارف الأميركية سيولة ضخمة تقدر بنحو 3.5 تريليونات دولار. ويقدر مصرف الاحتياطي الفيدرالي حجم الإيداعات التي دخلت حسابات المصارف الأميركية خلال النصف الأول من العام الجاري بنحو 2.2 تريليون دولار. وهذا المعدل من السيولة المراكمة يعد قياسياً بكل المعايير ولم يشهده القطاع المصرفي في تاريخه.
ويرى محللون أن ما يمنع المصارف التجارية من منح القروض أنها غير متأكدة من توقيت دورة الانتعاش الاقتصادي في أميركا، وعودة الوظائف مرة أخرى لزبائنها مع تزايد عدد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا.
في هذا الشأن، أعلن مصرف “جي بي مورغان”، أكبر المصارف الأميركية، عن إجراءات جديدة مشددة في منح القروض العقارية، إذ رفع حجم مقدم الدفع أو القسط الأولي في شراء العقارات السكنية لزبائنه من 5% إلى 20% من قيمة العقار.
وبحسب تقرير مصرف الاحتياط الفيدرالي، شددت العديد من المصارف الكبرى في أميركا من معاييرها في تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة والقروض الخاصة بالسلع المعمرة.
كذلك ارتفعت نسبة الرفض لطلبات تمويل قروض شراء السيارات في معظم المصارف الأميركية. وأجرت العديد من المصارف مراجعة على القروض الشخصية وسقف السحب على المكشوف وكذلك سقوف بطاقات الائتمان.
في هذا الصدد، قال رئيس وحدة المعلومات بشركة “إكيوفاكس بيرو”، بيتر مانيارد، لصحيفة نيويورك تايمز، “البنوك تجد صعوبة في التعرف إلى الملاءة المالية لزبائنها”.
ولاحظ مانيارد أن شركات بطاقات الائتمان أرسلت عروضاً أقل كثيراً للمقترضين في شهر يونيو/ حزيران الماضي مقارنة بنفس الشهر في العام الماضي، إذ أرسلت 57 مليون عرض تسويقي مقارنة بنحو 272 مليون عرض في يونيو/ حزيران من العام الماضي 2019.
ويأتي هذا التشدد في عمليات منح الائتمان بينما تبدو المصارف الأميركية أفضل حالاً من نظيراتها الأوروبية من حيث حجم السيولة ونوعية الأصول، إذ إنها تملك نوعية ممتازة من الأصول يتكون معظمها من سندات الخزينة الأميركية، ولكن على الرغم من هذه الميزات فإن مخاوفها من كساد الدورة الاقتصادية وتراكم الديون المتعثرة دفعاها لتشديد معايير منح القروض للشركات الصغيرة والمتوسطة وللأفراد.
يذكر أن البنوك الأميركية الأربعة الكبرى رصدت نحو 28 مليار دولار مخصصات لتغطية الديون المتعثرة في نتائج الربع الثاني من العام.
وهنالك تقديرات متباينة لحجم الخسائر المتوقعة لقطاع المصارف في أميركا، إذ تقدر وكالة “ستاندرد آند بوورز” الأميركية للتصنيف الائتماني حجم الخسائر التي ستتكبدها المصارف الـ88 التي تقوم بتصنيفها خلال العام الجاري بنحو 1.3 تريليون دولار.
ومن هذا المبلغ تقدر الوكالة خسارة البنوك الأميركية بنحو 240 مليار دولار، بينما تقدر خسارة البنوك الأوروبية بنحو 120 مليار دولار. ويقدر مصرف الاحتياط الفيدرالي خسائر البنوك الأميركية المتوقعة خلال العام الجاري بنحو 100 مليار دولار.
من جانبها تقدر شركة إكسنتيور الأيرلندية للاستشارات المالية حجم الخسائر التي ستتكبدها المصارف الأميركية والأوروبية خلال ثلاث سنوات بنحو 880 مليار دولار حتى عام 2022.
وبنت الشركة توقعاتها على الخسائر التي سيتكبدها 100 مصرف في أوروبا وأميركا. وقدرت أن تخسر المصارف الأميركية نحو 427 مليار دولار، بينما ستخسر البنوك الأوروبية نحو 453 مليار دولار.
على الصعيد الأوروبي، قال مسح أجراه البنك المركزي الأوروبي في يوليو/ تموز الماضي، شمل 150 مصرفاً تجارياً في منطقة اليورو، إن البنوك التجارية تتجه نحو تشديد إجراءات القروض خلافاً لما كان متوقعاً أن يحدث من تيسير لإجراءات القروض في النصف الثاني من العام مقارنة بما حدث في الربع الثاني. وشملت إجراءات تشديد المعايير قروض الشركات والأعمال التجارية الصغيرة والقروض الشخصية.
ويشير اختبار قوة تحمل الصدمات الذي أجراه البنك المركزي الأوروبي قبل أسبوعين إلى أن بنوك منطقة اليورو يمكن أن تخسر حوالى 174.3 مليار يورو في حال حدوث تداعيات مخففة لفيروس كورونا على الاقتصادات الأوروبية.
ويعادل هذه المبلغ نسبة 4% من إجمالي حجم قروض المصارف التجارية للشركات و7% من إجمالي رأس مال البنوك.
وفي حال حدوث تداعيات كبيرة للفيروس على الاقتصاد الأوروبي، يتوقع المركزي الأوروبي أن تصل خسائر البنوك إلى 1.1 تريليون دولار، وهو ما يعادل 25% من إجمالي رأس مال البنوك و43%من قروضها للشركات التي يقدرها بنحو 4.4 تريليونات دولار.
ويبدو أن هذه التوقعات الباهظة لحجم الخسائر ترعب المصارف التجارية في أوروبا من مواصلة منح القروض للشركات بكل أنواعها وكذلك بالنسبة للقروض الشخصية.