المصارف تحاول تطويع القضاء: إضراب مفتوح بوجه الدعاوى والأحكام

أعلنت جمعية المصارف في بيان لها اليوم الجمعة 5 آب (مستند مرفق)، تنفيذ إضراب يبدو أنه مفتوح، ابتداء من يوم الإثنين المقبل 8 آب. أما سبب الإضراب فهو بكل وضوح، محاولة تطويع القضاء اللبناني، أو بالأحرى بعض القضاة الذين لا يزالون حتى اليوم، يواجهون منظومة المصارف إحقاقاً لحق المودعين المُختلسة أموالهم والمُنتهكة حقوقهم.

القضية التي فجّرت غضب المصارف، هي توقيف رئيس مجلس إدارة بنك الاعتماد المصرفي ش.م.ل، طارق خليفة، في مطار بيروت منذ أيام، بعد ورود شكوى جزائية بحقّه أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان من قبل مودعة. وعلى الرغم من الإفراج عن خليفة بكفالة مالية، غير أن جمعية المصارف تحاول أن تقطع الطريق على أحكام قضائية مماثلة بحق رؤساء مجالس إدارة المصارف ومساهميها في المستقبل. وهي العارفة حق المعرفة بالحجم الهائل للدعاوى القضائية المرفوعة بوجه أعضائها المصارف.

محاولات التطويع

لم تنجح جمعية المصارف بمحاولتها الاولى لتطويع القضاة، والتي تمثلت بشكل أو بآخر بتقديم رشى من خلال تسوية رواتبهم دون سواهم من فئات القطاع العام، وفق سعر صرف 8000 ليرة للدولار. فالمصارف فوجئت برفض كثر من القضاة عرضها لمضاعفة الرواتب، ما أثار حفيظة بعض المصارف، ومنها من أغلق حساب قاض لرفضه تقاضي راتبه وفق سعر صرف 8000 ليرة.

محاولة أخرى سعت إليها المصارف قبل الإنتخابات النيابية ودخول الحكومة مرحلة تصريف الأعمال، تمثّلت بممارسة الضغوط للإفراج عن قانون الكابيتال كونترول وإقراره بنسخته الأخيرة، مع الإبقاء على بند أساسي تتمسّك به المصارف، يلغي الدعاوى القضائية بحقها بمفعول رجعي. لم يتم إقرار الكابيتال كونترول حتى اللحظة، ومن المرجح أن تدور معركة طاحنة حول مسألة إلغاء الدعاوى القضائية فيما لو تم الإبقاء على البند المذكور.

وليس التذكير بممارسات المصارف السابقة سوى للإضاءة على محاولاتها المتكرّرة لإحكام القبضة على القضاء، ودكّ دعاوى المودعين في الأدراج. وهو ما لم يحصل. أما إعلانها الإضراب المفتوح لمواجهة الأحكام القضائية، فلا شك يستهدف “كمّ أفواه من تبقى من القضاة”.

ذريعة المصارف

تصف المصارف في بيانها الدعاوى المقامة في وجهها بالدعاوى “الكيدية”، والأحكام القضائية الصادرة بحقها بـ”الأحكام الاعتباطية والشعبوية”. وتلقي كما عادتها المسؤولية كاملة على الدولة التي برأيها تسببت منفردة بالأزمة الإقتصادية الحالية، متجاهلة أنها جزء من الدولة وكثر من مساهميها وشركائها هم من السياسيين أنفسهم، ومتناسية أيضاً أنها لطالما شاركت بوضع سياسات اقتصادية ومالية وأملت قرارات على الحكومات المتعاقبة.

الموضوع الذي تثيره المصارف و”تتفاصح” بالدفاع عنه، وهو الأسهم التفضيلية، لطالما تم التعامل معه بشكل مخالف للقوانين. ويوضح أحد محامي رابطة المودعين فؤاد الدبس، بأن الأسهم التفضيلية ليست متاحة للجميع ولشرائها شروط دقيقة. أما ما فعلته المصارف فهو التسويق لتلك الأسهم لدى جميع عملائها وإيهامهم بأنها تشبه أي استثمار آخر وفوائدها عالية جداً، من دون تفسير مخاطر الأسهم. باختصار تعاملت المصارف مع الموضوع باحتيال متعمّد. ويجزم الدبس في حديثه إلى “المدن”، بأن الأسهم التفضيلية كانت جزءاً من المناورات الإحتيالية التي احتالت فيها المصارف على الناس، مطالباً بمحاسبتها جزائياً وليس فقط مدنياً. كما يجب محاسبة كل من سوّق واحتال بملف الأسهم التفضيلية، يقول الدبس.

وبشهادات كثر من مصرفيين قدامى قانونيين، فإن المصارف كانت تتعمّد فعلياً إخفاء عنصر المخاطر المرتفعة للأسهم التفضيلية عن زبائنها غير المتمكّنين من معرفة ذلك. وهذا يعني أن المصارف لم تراع المعايير العالمية لتسويق تلك الأسهم، التي حقّقت منها أرباحاً طائلة، لتأتي اليوم وتنتقد عدم الإطلاع على تفاصيل القوانين التي تحكم تلك العمليات!

النيل من هيبة القضاء

أما وأن تنتقد المصارف في بيانها الأحكام القضائية وتتهم بعض القضاة والقانونيين، من دون أن تسميهم، بضعف الإلمام بالقوانين، فإن ذلك يعد بحسب الدبس، تدخلاً سافراً بالقضاء، وليس إعلان المصارف الإضراب بسبب الأحكام القضائية سوى محاولة لإضعاف القضاء والنيل من هيبته، على ما يقول الدبس. ففي أي بلد بالعالم يستدعي الهجوم على القضاء محاسبة فورية.

وإذ تستغرب المصارف في بيانها “أسباب توقيف رئيس مجلس إدارة بنك الاعتماد المصرفي ش.م.ل، بسبب ورود شكوى جزائية بحقّه أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، من قبل صاحبة أسهم تفضيلية” تصف الأوضاع بـ”الشاذة”، وتحذّر من أنها بلغت حدّاً “لم يعد مقبولاً”. وهي لم تعد تستطع أن تتحمّل المواقف المضرّة والشعبوية على حسابها وحساب الاقتصاد. وهي تجد نفسها مضطرة إلى إصدار إنذار عام يكون دعوة للجميع للتعامل بجدية ومسؤولية مع الأوضاع الراهنة، بهدف السير نحو التعافي الحقيقي”.

تهديد واضح أطلقته المصارف في بيانها، ليس للسلطة القضائية فحسب بل للسلطة السياسية أيضاً، التي لم تتأخر يوماً عن التضامن والتكافل وحتى التواطؤ معها. وعليه أعلنت المصارف الدخول بإضراب ابتداءً من يوم الاثنين الواقع في 8 آب 2023، على أن تقرّر الجمعية العمومية للمصارف التي سوف تنعقد في 10 آب الموقف الذي تراه مناسباً في هذا الشأن. أما الموقف المناسب فيستهدف من دون شك “تطويع” القضاء إلى حين قوننة تهرّبها من مسؤولياتها وإسقاط كافة الدعاوى القضائية بحقها.

مصدرالمدن - عزة الحاج حسن
المادة السابقةالإمدادات الأميركية تبرد أسواق الغاز الأوروبية
المقالة القادمةروسيا تقدم هبة 40 ألف طن من القمح شهرياً وميقاتي سلّم إيران مواصفات الفيول الذي يحتاج إليه لبنان