المصارف تخطّط لإعادة إنتاج نفسها

في أيلول الماضي، أنجز الصهيوني كارلوس عبادي، المستشار المكلّف من جمعية المصارف، ما سمّاه «خطّة جمعية المصارف للتعافي الاقتصادي». الخطّة عبارة عن 86 صفحة تتضمن فصلين ممّا سمّاه «إصلاحات»: إصلاحات ذات أولوية يجب إطلاقها ضمن الـ 100 يوم الأولى من الحكومة الجديدة، وإصلاحات أخرى ضمن رؤية متوسطة ــــ طويلة المدى.

في الواقع، وردت في خطّة عبادي ــــ جمعية المصارف، كلمة «إصلاح» أكثر من 210 مرّات غالبيتها يتعلق بما لا يقع ضمن نطاق المصارف نهائياً. المقصود بهذه الكلمة، تمويه الأفعال الحقيقية التي قامت بها المصارف في إطار من الإنكار لدورها ومسؤولياتها عن الانهيار وتبديد الودائع، ثم الانخراط مع مصرف لبنان في تقييد السحوبات والتحويلات بشكل غير شرعي واستنسابي، والمشاركة في لعبة تعددية أسعار الصرف، وفي تضخيم الأسعار المتعمّد، والكثير من الألاعيب الأخرى لتحافظ على رساميلها من الذوبان والتهرّب من تغطية الخسائر المتحققة في ميزانياتها.

صمّم عبادي والمصارف خطّتهم لإلقاء اللوم على قرار حكومة حسان دياب بالتوقف عن سداد سندات اليوروبوندز في آذار 2020، ولترسم مسار عمل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في تحديد ما تعتبره «أولويات». والهدف وراء هذه الخطّة واضح للعيان؛ أن تتمكن المصارف من النهوض مجدداً من دون أن تدفع الفاتورة المستحقّة عليها.

رواية المصارف عن الأزمة تبدأ يوم إعلان حكومة حسان دياب التوقف عن سداد سندات اليوروبوندز في آذار 2020. في البدء، تقول المصارف «كان الاقتصاد اللبناني بالفعل في أزمة قبل التخلّف عن سداد الديون السيادية في آذار 2020»، لكن سرعان ما تحوّل هذا الإقرار إلى اتجاه سياسي لتحميل المسؤولية لحكومة دياب، إذ تشير إلى أن هذا التوقف عن الدفع «أدّى إلى تضخيم العواقب الاجتماعية والاقتصادية للاختلالات الكلية التي سبقت». وتحدّد المصارف شروط التعافي بجملة إجراءات تتعلق بإصلاحات يجب أن تقوم بها حكومة ميقاتي خلال الـ 100 يوم الأولى من عمرها تتضمن: التفاوض مع صندوق النقد الدولي، إطلاق إعادة إعمار مرفأ بيروت، تشريعات لمكافحة الفساد، إصلاح الجمارك، تجديد كهرباء لبنان، ردم فجوة البنية التحتية، شبكة أمان اجتماعي، إصلاح المالية العامة بشقَّي النفقات والإيرادات، التفاوض مع الدائنين وتكوين ملاءة مصرف لبنان.

المصارف تريد إعادة هيكلة للدين العام لا تتضمن إعادة هيكلة الدين بالليرة اللبنانية كونها ما زالت تحقق منه أرباحاً لأن الدولة تدفع فوائد سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، ولا تريد توحيد أسعار الصرف بشكل فجائي، بل أن يكون على مدى 18 شهراً حتى يتاح لها تهديد المودعين بما تبقى من أموالهم في حيازتها، وأن تزيد احتمالات المضاربة على الليرة في هذه الفترة الطويلة. كذلك تقترح المصارف «إصلاح» إيرادات الدولة من خلال زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 11% حالياً إلى 16% وإلغاء بعض الإعفاءات، وفي المقابل تقترح زيادة الضريبة على الفوائد من 10% إلى 12% رغم أنه بعد إعادة هيكلة الدين العام ستكون هذه الفوائد عبارة عن قشور مقابل العمولات التي تحصّلها حالياً من حسابات الزبائن بالدولار الحقيقي. سرقة دولارات الزبائن متواصلة. حالياً كل عملية تحويل للدولارات الحقيقية إلى الخارج تكلّف 5 دولارات على الأقل، حتى لو كانت لتمويل اشتراك «نيتفليكس» بقيمة 11 دولاراً.
وفي مجال إعادة هيكلة الدين العام، أيضاً تقترح المصارف «تأسيس المؤسسة اللبنانية للاستثمار كشركة لبنانية ش.م.ل. (LIC) من شأنها أن تجمع أصول الدولة. ستبقى الدولة هي المالكة للأصول، لكن LIC ستكون مسؤولة عن إدارتها لتعظيم سيولتها لإبراء ذمّة مصرف لبنان من جميع مطالبات القانون اللبناني المرفوعة ضد الحكومة اللبنانية. اقتراح المصارف واضح؛ أعطونا كل شيء وخذوا تضخّم الأسعار وتعددية أسعار الصرف والزيادات الضريبية. باختصار، المصارف لا تزال ترى نفسها جهة مؤهّلة لقيادة لبنان بالتحالف مع قوى السلطة، كما اعتادت منذ عقود.

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقةمستخدمو هيئة إدارة السير: لوضع آلية تمكن المستخدمين من الحصول على حقوقهم
المقالة القادمةهجرة العمالة الماهرة: الاقتصاد يفقد عصبه الإنتاجي