المصارف تضرب تعميم منصوري بعرض الحائط… وتستمر باقتطاع عمولات تعسّفية

لم يلقَ التعميم الذي حمل رقم 679 وأصدره حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري في 3 تشرين الأول الحالي، أي تجاوب من قبل المصارف التي استمرت في احتساب عمولات عالية ومرتفعة على زبائنها، وحتى البعض رأى في هذا التعميم نوعاً من الشعبوية، لا سيما أن معنيين على يقين ان الحاكم بالإنابة كان يعلم مسبقاً بأن المصارف لن تلتزم به.

فحيلي: التعميم شعبوي وليس بالعمل المهني المحترف

يضع خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي هذا التعميم بـ»إطار الشعبوية وليس العمل المهني المحترف»، وذلك وفق ما يشير إلى صحيفة «نداء الوطن» لأن «المؤسسات المصرفية هي مؤسسات قطاع خاص وملزمة بالإعتماد على تحقيق إيرادات تكفي لتغطية مصاريفها التشغيلية بالحد الأدنى، وهي كانت عادةً تحقق الربح وتكسب المال أولاً من خلال التسليفات، وثم من خلال العمولات، إضافةً إلى التوظيفات سواء لدى مصارف مقيمة أو غير مقيمة أو لدى مصرف لبنان أو إكتتابات سندات الخزينة أو اليوروبوند. والجميع (أفراد ومؤسسات تجارية ومكونات السلطة)، بات على دراية تامة ويعاني من إرتفاع حاد ومفاجئ في كلفة العمل والإنتاج والإستهلاك في لبنان، والمصارف هي جزء من هذه المكونات، وبسبب توقف التسليف والتوظيفات الأخرى، كان لا مهرب من اللجوء إلى العمولات لضمان إستمرار عمل المؤسسات المصرفية».

إطلالات منصوري إعلامية فقط

ويعتبر فحيلي أنّ «معظم إطلالات منصوري الإعلامية، ومعظم قراراته لا تقع ضمن توقعات أو طلبات المودع أو حتى المواطن، ذلك لأنه يدرك تماماً أن ما يطلبه لن يحصل عليه لا من مجلس النواب كونه هيئة ناخبة، ولا حتى من مجلس الوزراء على اعتبار أنها حكومة تصريف أعمال».

طنوس: المصارف لا تلتزم إلا بالتعاميم التي تناسبها

ومن ناحيته، يعلّق مؤسس جمعية «أموالنا لنا» فراس طنوس، على تصرّف المصارف بالقول: «المصارف لا تتصرّف إلّا وفق مصلحتها، ولسوء الحظ فإن حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة كان هو بدوره أيضاً يتصرف بما يتناسب مع مصلحة المصارف، فعلينا ألا ننسى أنهم كانوا شركاء لفترة 30 عاماً تقريباً، كما أنهم حققوا من خلال هذه الشراكة أرباحاً هائلة، من خلال الهندسات المالية والسياسات الريعية، وعندما وقعت المشكلة المالية تخلوا عن مسؤولياتهم وحمّلوا تلك الخسائر إلى المودعين».

ولناحية إلتزام المصارف بتعاميم مصرف لبنان والحاكم بالإنابة، يُذكّر طنوس خلال حديثٍ مع «نداء الوطن» بأنّ «المصارف لم تلتزم بأغلبية التعاميم، والأمر ليس محصوراً فقط بالتعميم الذي يحمل رقم 679»، وهنا يبدي خشيته من أن «يكون هذا التعميم صدر كي لا يُطبّق، فالمصارف لا تلتزم إلا بالتعاميم التي تتناسب مع مصلحتها».

ويرى طنوس أنّه «كان يُفترض بحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، وقبل أن يصدر تعميم رقم 679 أن يصدر تعميماً ينص على تنظيم العلاقة بين المودع والمصارف، ذلك لأن مجلس النواب لم يقم بأي تصرّف يتعلّق بهذا الموضوع، فمن صلاحيات الحاكم الذي يرعى القطاع المصرفي في لبنان أن ينظم العلاقة بين الطرفين، حيث أن كل مصرف يتبع سياسة مختلفة عن سياسة المصرف الآخر وكل مصرف لديه قوانينه الخاصة به، لا بل حتى داخل المصرف الواحد كل زبون يعامل بطريقة، وهذا خطأ كبير».

تهريب الأموال مستمر

ويردف قائلاً، «لذلك تتهرّب المصارف من تطبيق «الكابيتال كونترول» الحقيقي وليس المطروح حالياً بمجلس النواب والذي يُشبه أي شيء إلّا «الكابيتال كونترول»، فـالحقيقي هو لضبط التحاويل والسحوبات، وكذلك تنظيم العلاقة بين المصارف والمودع، وليس إلغاء قوانين ومواد قانونية تقضي بمحاكمة المصارف، كما أنه يقضي بمنع أي شخص من تهريب الأموال، لأنه حتى يومنا هذا هناك من يُهرّب الأموال. وهذه معلومات مؤكدة حيث يتم تهريب الأموال من قبل بعض الأفراد إما عبر البورصة أو من خلال شراء الأسهم، لا بل ليس هناك أي مدير تنفيذي أو عضو تأسيسي في أي مصرف إلا واستفاد من هذه الطرق، إضافة إلى كل ذلك فهناك مصارف تتلاعب بالداتا الخاصة بها وتقوم بتزويرها».

خيبة من تصرف منصوري

وفي ختام حديثه، يُعرب طنوس عن خيبة أمله من منصوري، حيث كان يأمل بأن «يكون أكثر جديّة من ذلك»، متوجهاً إليه بالقول: «صارح الجميع بأن المصارف تعرقل الخطوات التي تقوم بها، ولا تبدي أي إلتزام أو تعاون مع قراراتك وأجبرهم على الإلتزام».

مغنية: 40 مليون دولار عمولات تقتطع شهرياً

وأمّا رئيس جمعية المودعين حسن مغنيّة، فهو بدايةً يُعبّر عن استيائه من حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري ومصرف لبنان والمصارف ووزارة المالية والدولة». وفي ما يتعلق بالتعاميم الخاصة بالعمولات، يلفت مغنية عبر «نداء الوطن» إلى أنّ «هذه العمولات ليست جديدة، وبأنه سبق لهم وناقشوها في جمعية المودعين منذ بداية الأزمة».

ويوضح بأنّ «ما يقارب الـ40 مليون دولار يتم إقتطاعها شهرياً من حسابات العملاء دون حسيب أو رقيب ودون موافقة العميل، ولا حتى دون مسوغ قانوني»، مشيراً إلى أن «جمعية المودعين أعدت دراسة متعلقة بهذا الموضوع وعقدت إجتماعاً مع مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وتم وضعهم بالصورة».

ولكن المضحك هنا، حسب مغنية بأنّه «عند إبلاغ لجنة الرقابة بمعاناة المودعين في ما يتعلق بهذا الموضوع، قامت هي الأخيرة بإبلاغهم بمعاناة موظفيها الذين ليس لديهم الإمكانيات الكافية التي تمكنهم من القدرة على المتابعة والتغطية على كافة الأراضي اللبنانية».

المصارف: «أنا ربّكم الأعلى»!

ويتابع، «المصارف اليوم تتصرّف وفق قاعدة «أنا ربكم الأعلى»، فالمودع لا يمكنه إتخاذ أي إجراء أو خطوة في حال واجهته أي مشكلة مع المصرف وحتى لو رفع دعوى، لا بل ومن السخرية أنه عندما يفقد المودع الأمل بإيجاد أي حل ويلجأ من شدة غضبه إلى إقتحام المصرف يعتبرونه إرهابياً ويصبح المصرف هو الضحية».

التحركات مجمّدة

ويكشف أنهم «كانوا بصدد القيام بتحرك كبير، إلا أنّ الأوضاع الأمنية الراهنة فرضت نفسها، مما دفعهم لتجميد كافة نشاطاتهم لحين عودة الأوضاع الى ما كانت عليه». وتمنى في ختام حديثه أن «لا تستغل المصارف هذه الأوضاع وقلق المواطنين وخوفهم من إنزلاق الأوضاع نحو الأسوأ وتقوم بعمليات خداع جديدة».

عليق: سجلات حافلة بالمخالفات منذ بداية الأزمة إلى اليوم

يؤكد مؤسس «تحالف متحدون» المحامي رامي عليق، لـ»نداء الوطن»، بأن المصارف لم تلتزم بالتعميم 679»، موضحاً أنه «مؤخراً ومن ضمن المراجعات تلقوا إتصالات من بعض العملاء يشكون من موضوع الغرامات. فعلى سبيل المثال فإن أحد العملاء أبلغه المصرف بأنه يترتب عليه غرامة بقيمة 10 دولارات دون إقدامه على أي معاملة أو أي طلب، ومن بعد أخذ ورد وجدل كبير خفضت قيمة الغرامة إلى 5 دولارات، ولكن هذا مخالف للقرار الصادر عن الحاكم، حيث أن التعميم الصادر يقضي بكل صراحة ووضوح بعدم تحميل العميل ولا أي دولار».

يُذكّر عليق هنا بأنه «لا يجب فقط التوقف عند هذا التعميم، فالمصارف لا تُطبق أي تعميم وسجلاتها منذ بدء الأزمة ولغاية اليوم حافلة بالمخالفات، ولم يردعها لا مصرف لبنان ولا القضاء. ففي الشق المتعلق بمصرف لبنان فهو لم يردعها لا من خلال الحاكم ولا من خلال لجنة الرقابة على المصارف والتي هي ليست فقط غائبة لا بل أحياناً كثيرة متواطئة مع المصارف، وحتى إن عدداً من محامي (متحدون) تقدم بشكوى ضدها. وأما الرادع المتعلّق بالقضاء، فهنا وبالرغم من تمكن القضاء في فترات معينة من القيام بخطوات أوصلت الأمور إلى نتائج متقدمة، لكنها وبسبب غياب الهيئة العامة لغرف التمييز اصطدمت بدعاوى المخاصمة».

فرصة لـ«الحاكم»

وحسب علّيق فإن الوصول إلى الحل يتطلب «لجم تجاوزات وإرتكابات المصارف»، ويضيف: «نحن اليوم أمام إمتحان، ونحن أعطينا الحاكم بالإنابة فرصة حيث كنا من الداعمين له منذ البداية، لكن في المقابل نحن بحاجة إلى الأفعال وليس للأقوال».

إفلاس 10 مصارف؟

ويتطرق إلى آخر الخطوات التي قاموا بها، وهي «من خلال تواصلهم مع القضاء ومع مصرف لبنان من أجل الوصول إلى عمل ملموس لصالح المودع صاحب الحق»، يشير إلى آخر الخطوات التي قاموا بها، وأبرزها «التقدم بدعاوى لدى محكمة الإفلاس في بيروت ضد 10 مصارف، وقطعت هذه الخطوة مرحلة التبادل والمراسلات ما بين المودعين الذين يمثلونهم بالخصومة وبين المصارف المدعى عليها ومصرف لبنان. ونحن بإنتظار صدور قرارات بإعلان إفلاس هذه المصارف ما بين الشهر الحالي والشهر القادم، مع لحظ دور مصرف لبنان الأساسي في هذه الدعاوى».

وهنا تبرز دعوة الى الحاكم أن «يطبق القانون، حيث أن «هناك مصارف متعثرة ومتوقفة عن الدفع، وفق القانون التجاري والذي هو واضح جداً بهذا الشأن»، ويؤكد عليق بأن «هدفهم ليس إفلاس المصارف بل إعطاء المودعين حقهم، فنظام الافلاس نظام عالمي ومتبع بغالبية دول العالم، كما أنه يرعى حقوق المودعين عبر الضغط على المصارف وإجبارها على تطبيق القانون وتنفيذه من أجل وضع عملها على السكة الصحيحة، وهذا لم يطبق حتى اليوم».

الصبر نفد

ويختم عليق حديثه، بالقول: «الصبر نفد، فعلى القضاء التصرف، والقيام بخطوات يصوب من خلالها الأمور بالإتجاه الصحيح، وردع المصارف عن المخالفات، وإما ستكون المواجهة مفتوحة بين المودعين والمصارف ولا أحد يعتقد أن هذا الهدوء هو تراجع بل هو أقرب إلى إستراحة محارب لتنظيم أوضاع المودعين، وذلك هو رهن أن تهدأ الأوضاع المحيطة والظروف المحيطة بنا، ليكون لدينا جهوزية مبنية على قرارات الحاكم بالإنابة. اليوم لم يعد هناك من أعذار والكلام إنتهى وننتظر الأفعال، فالأمور متجهة نحو المواجهة المباشرة وبطريقة مؤذية، لكن نحن نتمنى أن تكون الكلمة للقضاء، فهذا هو إيماننا الراسخ حيث أننا نسعى بكل ما لدينا من إمكانيات لتحفيز القضاء لأخذ قرارات، وإلا فان المودعين لم يعد بإمكانهم ضبط الأوضاع أكثر، لذا نحن نحاول أن نخلق مساحة وسطية لنتجنب العنف، فلم يعد لدى الجميع القدرة على التحمّل».

مصدرنداء الوطن - رماح الهاشم
المادة السابقةالحرب تُهدّد رواتب 100 ألف موظّف في القطاع الخاص
المقالة القادمةالشكوك تحيط البلوك 9… و”توتال” تفاوض على الـ8 و10