المصارف تقود التعديلات على الـ158 والـ151: كذبة الـ«لا هيركات»

في الاجتماع ما قبل الأخير للمجلس المركزي لمصرف لبنان، تقرّر إصدار تعديلات على التعميمين 151 و158. لكن لم يُكشف عن هذه التعديلات، إلا بعدما عقد المجلس جلسته الأسبوعية أمس، باعتبار أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، التقى جمعية المصارف في وقت ما بين الجلستين وتسلّم ردّها على التعديلات المنوي القيام بها. وبالفعل، أسقطت الجمعية بعض هذه التعديلات، ما يعني أن المصارف لا تزال، رغم إفلاسها، تقود القرارات التنظيمية في القطاع، وخصوصاً ما يتعلق بتوزيع الخسائر.

لذا، ما نوقش في اجتماعَي المجلس المركزي الأخيرين، لا أهمية له توازي النقاش الدائر بين الجمعية والحاكم. فالحاكم رياض سلامة المتهم بالاختلاس في الخارج، كان يرغب في نهاية عهده بالادّعاء بأنه وحّد سعر الصرف وخفّض الهيركات على الودائع. وهذا الأمر يفترض أنه سيدفع ودائع الدولار المصرفية (غير الفريش) على سعر «صيرفة» بدلاً من سعر الـ15 ألف ليرة القائم حالياً. لذا، اقترح تعديل التعميم 151 بما يتلاءم مع هذا الأمر. وكان هناك شبه اتفاق على ذلك في جلسة المجلس المركزي المنعقدة في 27 حزيران. إنما بعد اللقاء الذي حصل بين جمعية المصارف والحاكم، رفضت الجمعية الأمر باعتبار أن سحب الدولارات من المصارف على سعر «صيرفة» يتطلب مبالغ نقدية كبيرة بالليرة ويرتّب خسائر ضخمة على المصارف. واعتبرت الجمعية أن خطوة كهذه يجب أن تكون مغطّاة من مصرف لبنان، أي أن يموّلها مصرف لبنان لجهة الكتلة النقدية التي سيتطلّبها سحب الدولارات بسعر «صيرفة» الذي يساوي أكثر من خمسة أضعاف السعر القائم. كذلك رأت الجمعية أنه على مصرف لبنان أن يغطّي الخسائر التي ستترتّب على المصارف بسبب رفع سعر صرف دولار الوديعة، والانعكاسات السلبية لذلك على رساميل المصارف التي لم يبق منها سوى 12 مليار دولار (نظرياً قبل توزيع الخسائر في القطاع المالي)، أكثر من نصفها بالليرة اللبنانية. تقول مصادر مطّلعة، إن نواب الحاكم كانوا موافقين على هذه الخطوة رغم أنه كانت لدى بعضهم هواجس حول أثرها على الكتلة النقدية بالليرة، علماً أن بعضهم اقترح سابقاً زيادة سعر دولار الوديعة إلى ما بين 30 ألف ليرة و35 ألف ليرة. المهم، انتهى الأمر إلى إجراء تعديلات مختلفة تتيح لمصرف لبنان شراء الدولارات التي تشتريها المصارف من الزبائن بسعر 15 ألف ليرة لكل دولار.

الأمر نفسه تكرّر لجهة التعديلات على التعميم 158. كان التعميم يحدّد تسديد 400 دولار نقداً كل شهر، وإلى جانبها 400 دولار أخرى يتقاضاها المودع إجبارياً بسعر صرف حُدّد بـ15 ألف ليرة بعدما كان 12 ألف ليرة. وكان مصرف لبنان يموّل نصف هذه العملية بالدولارات النقدية، على أن يقع على عاتق المصارف النصف الثاني. وبحسب بيان أصدره مصرف لبنان في الأول من حزيران الفائت، فقد استفاد من التعميم 158 «نحو 180,976 عميلاً لغاية نهاية نيسان 2023، وبلغ المبلغ الإجمالي المدفوع لهؤلاء العملاء ما يوازي 1,778,604,896 دولاراً أميركياً، منها 889,474,488 دولاراً دُفعت نقداً مناصفة بين مصرف لبنان والمصارف».

في الواقع، كان نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة، يرون أن هذا التعميم يفرض «هيركات» علنياً ومباشراً على الوديعة، لذا اقترح بعضهم أن يكون شقّ تقاضي الـ400 دولار بالليرة اللبنانية على سعر 15 ألف ليرة، شقّاً اختيارياً حتى يُلغى «الهيركات»، أو على الأقل يكون قد ألغي نظرياً بالنسبة إلى المودع. لكن هذا الأمر ستترتب عليه زيادة في عدد المنتسبين إلى التعميم 158، وبالتالي فإن القدرة على تغطية الزيادة من 180 ألف عميل إلى نحو 300 ألف عميل ستضع ضغطاً على سيولة المصارف النقدية بالدولار، علماً أن لديها أصلاً نقصاً في هذه السيولة وأن عدداً منها يعاني من نقص في تغطية «الودائع الفريش» بنسبة 100% كما هو مطلوب. ببساطة، المصارف دفعت في السنة الماضية نحو 445 مليون دولار لتطبيق التعميم 158، وهي لا تريد مضاعفة هذا المبلغ، لكنها لا ترفض إيهام المودعين بأن الهيركات توقّف.

توصّلت الجمعية إلى تسوية تقضي بإلغاء الشق اللبناني من التعميم 158، وبأن يُخفض المبلغ للمنخرطين الجدد في التعميم 158 من 400 دولار نقداً إلى 300 دولار نقداً، أي ما يُقدر بنحو 200 مليون دولار إضافية في السنة ستدفعها المصارف. وسمح مصرف لبنان للمصارف بتمويل كل المبالغ المدفوعة وفق التعميم 158 من السيولة الخارجية التي فرضها عليها بموجب التعميم 154 الذي حدّد أن تكون لدى المصارف سيولة لدى مصارف المراسلة توازي 3% من الودائع بالدولار وأمهلها لإعادة تكوين هذه السيولة حتى نهاية 2024.

إذاً، كسبت المصارف تحرير بعض من سيولة الـ3% لفترة مع مهلة لتكوينها تزيد على السنة، وكسبت أيضاً أنها مع الحاكم ونوابه سيدّعون أنهم أوقفوا الهيركات. عملياً، سيمنحون المودع مهما كانت قيمة وديعته، نحو 300 دولار نقداً مع الأمل بأنهم لن يشطبوا الآن مبالغ إضافية من مجموع الوديعة، لكنهم لا يضمنون أن يحصل ذلك، بل سيقع اتخاذ القرار على عاتق حاكم آخر. هي عملية ترويج بأنه «لا هيركات الآن»، وهي عملية تزوير لوقائع من أبرزها أن الخسائر في القطاع المالي تفوق 70 مليار دولار أي نحو 4 أضعاف ونصف الناتج المحلي الإجمالي، وبكلام أوضح هذه الخسائر توازي أربع مرات ما ينتج من كل النشاط الاقتصادي على مدار السنة.

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقةالهجرة التمريضيّة الداخليّة من الضواحي الى العاصمة وصلت الى ذروتها!
المقالة القادمةفوضى وسوق سوداء وانتظار لأيام… ولا «باسبور»: اللبنانيون ممنوعون من السفر