من بعد أن أقفلت في 17 تشرين الأول 2019 لمدة أسبوعين، فتحت المصارف أبوابها على طريقة غير معهودة في التعامل مع زبائها. وبعيداً من جوهر المشكلة المتمثل في “حبس” الودائع بالدولار والتسديد باللولار بسقوف محددة، مع “هيركات” تخطت نسبته 80 في المئة، فقد عمدت البنوك إلى رفع بدلات خدماتها، وزيادة نسبة عمولاتها ورفع كلفة السحوبات والتحويلات، وكل ما يتعلق بادارة الحسابات. هذا بالإضافة إلى الاستمرار في منع التعامل بالشيكات، أو فرض تجميدها لفترات طويلة. جزء من العمولات والبدلات مبرر، وقد كان مخفضاً في ما مضى، أو حتى مجانياً أيام “عز” الفوائد. أمّا الجزء الآخر فـ”لا يركب على قوس قزح”، كما يقول أحد المودعين. و”هو يمثل مخالفة فاضحة للعقد الموقع مع المصرف ويحمل الكثير من التجني على المودعين”. وبرأيه فان “العملاء يتحملون طريقة تقصير الدوامات في المصارف، وتقليص عدد الموظفين لخدمة الزبائن والإنتظار أمام الأبواب لساعات بحجة كورونا، إلا أن ما لا يمكن القبول به هو الإقتطاعات العشوائية من الحسابات من دون وجه حق، تحت مسميات وحجج مصرفية مختلفة، بمبالغ تصل شهرياً إلى ملايين الليرات”.
الشكاوى على المصارف تصل إلى “رابطة المودعين” بـ”الجملة”، وآخرها رفض العديد من المصارف التحويل من حسابات الشركات إلى حسابات موظفيها لتسديد الرواتب، سواء كان الحساب بالليرة أو الدولار، واشتراط إحضار الأموال نقداً. في حين عمد البعض الآخر من المصارف إلى فرض عمولات كبيرة على كل حوالة. وهو ما لن تتحمله الشركات. وستعمد حكماً إلى حسمه من راتب الموظف. وقد طالت هذه الإجراءات موظفي المستشفيات والكثير من الشركات. وقد رفع نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون الصوت عالياً قبل فترة، مهدداً بعدم استقبال موظفي المصارف في المستشفيات في حال لم تتراجع المصارف عن هذه الشروط التعجيزية.
فـ”من بعد أن حجزت البنوك على الأموال والحسابات وقيدت السحوبات منها بسقوف منخفضة، أصبحت تعاملها اليوم وكأنها غير موجودة”، تقول المحامية دينا أبو زور، “الأمر الذي يفاقم المشاكل بالنسبة للشركات، ويؤدي الى عجزها عن تأمين المبالغ نقداً لتسديد مستحقاتها أو حتى رواتب موظفيها. ويؤدي من الجهة الأخرى إلى حرمان الموظفين من حقهم البديهي بتقاضي أجورهم”. وبحسب أبو زور فان “المصارف لجأت إلى وضع سقف منخفض للسحب من الحسابات على أساس التعميم 151 الذي يتيح قبض الدولار على أساس 3900 ليرة، بما لا يتجاوز في بعض المصارف 400 دولار. وهي لم تغيره على الرغم من وصول سعر الصرف في السوق الموازية إلى 20 ألف ليرة. الأمر الذي يضطر الموظف إلى سحب بقية راتبه على أساس سعر صرف 1500 ليرة. الأمر الذي يحمله هيركات بنسبة 80 في المئة على أساس التعميم 151، و92.5 على أساس سعر الصرف الرسمي”. وهذه مجزرة بكل ما للكلمة من معنى.
كما لجأت معظم المصارف إلى رفع عمولتها الشهرية على خدمة الحسابات من 2 و3 دولارات إلى ما بين 5 و12 دولاراً. هذا عدا عن اقتطاع ما بين 2 و5 في المئة من السحوبات النقدية بالدولار. وعلى الرغم من إعفاء التعميم 158 الحساب الخاص المتفرع بالدولار من أي عمولات فان الحسابات الأساسية بالدولار غير النقدي (لولار) تبقى خاضعة للعمولة”، بحسب خبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي.
إلا أن المصارف لا تقتطع العمولة من حساب “اللولار”، إنما تأخذها نقداً من الحوالات أو مما يوضع في هذا الحساب من أموال نقدية بالدولار، أي من الحساب المتفرع. أمام هذا الواقع تقدمت رابطة المودعين برسالة شكوى أمام سفارات الدول الأجنبية العاملة في لبنان لحث دولها على وضع عقوبات على أصحاب المصارف ومساهميها. فمن وجهة نظر “الرابطة” فإن مساهمي المصارف، وأصحابها وكبار المدراء فيها مذنبون”، يقول عضو “رابطة المودعين” نزار غانم، “لأن القانون اللبناني ينص على أنه في حال التوقف عن الدفع على مالكي المصرف والمساهمين أن يدفعوا من مالهم الخاص. وان استمرارهم بالتهرب من تحمل المسؤولية وتحديد الخسائر وتوزيعها بشكل عادل يحتم وضع إشارة على كافة أصولهم في الداخل والخارج، ومنعهم من التصرف بها لحين البت بالدعوى المفتوحة أمام القضاء اللبناني. فمن غير المقبول بحسب غانم استمرار أصحاب المصارف بالاستثمار والتنعم بممتلكاتهم والسفر… فيما كل المودعين، وتحديداً الصغار منهم، يتحملون الجزء الأكبر من الخسارة بسبب الإصرار على عدم هيكلة القطاع المصرفي.
فالهدف من طلب وضع العقوبات ليس معاقبة القطاع المصرفي، إنما حث أصحاب المصارف على الدخول في مفاوضات والجلوس الى الطاولة لوضع واطلاق خطة اقتصادية تنقذ البلد”، يقول غانم.