يثبُت يوماً بعد يوماً أنّ الإدارة المالية في البلاد ومعها مصير أموال المودعين كانت تدار من طرف واحد، لا بل من شخص واحد. إذ بعدما تكشفت التنبيهات والاعتراضات المتكرّرة من قبل نواب الحاكم على السياسة المالية التي اتبعها الحاكم السابق رياض سلامة، تكشّف ايضاً انّ جمعية المصارف بدورها راسلت المركزي مرات عدة تطالبه بعدم المسّ بالاحتياطي الإلزامي، لأنّها أموال المودعين، ولكن بلا نتيجة.
في المعطيات التي حصلت عليها «الجمهورية»، انّ المصارف راسلت بالفعل سلامة في موضوع الاحتياطي مرتين. المرّة الاولى في نيسان 2021، والمرّة الثانية في 4 نيسان 2022. كذلك استكمل أمين عام الجمعية فادي خلف الموضوع، ولفت في مقالته الشهرية إلى مسؤولية الدولة ومصرف لبنان في هدر اموال المودعين، من خلال مواصلة الإنفاق من الاحتياطي الإلزامي.
وتنشر «الجمهورية» النص الحرفي للرسالتين التي بعثت بهما الجمعية إلى سلامة.
جاء في الرسالة الاولى في تاريخ 1 نيسان 2021، ما يلي:
«الموضوع: احتياطي المصارف الإلزامي في العملة الاجنبية
بالإشارة الى الموضوع المُدرج اعلاه والى الاوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمرّ فيها البلاد والتي حملت مصرف لبنان على استعمال اموال من احتياطي العملات الأجنبية لديه، المكوّن أصلاً من ايداعات المصارف، تنفيذاً لمقررات السلطة السياسية لدعم مروحة غير قليلة من المنتجات المستوردة، مما أدّى ويؤدي يومياً إلى نزف هذا الاحتياطي وانخفاض الى حدّ بلوغه الاحتياطي الإلزامي المودع من المصارف في مصرف لبنان تطبيقاً للتعاميم المختلفة الصادرة عنه، يهمّ جمعية مصارف لبنان ان تلفت سعادتكم إلى ما يلي:
انّ الاموال التي تؤلف الاحتياطي الإلزامي هي اموال، أُلزمت المصارف بإيداعها لدى مصرف لبنان وفقاً لأحكام المادة 76 من قانون النقد والتسليف بهدف محدّد نصّت عليه هذه المادة صراحة، وهو الإبقاء على الانسجام بين السيولة المصرفية وحجم التسليف، وبين مهمّته العامة المنصوص عليها بالمادة 70 من هذا القانون، اي المحافظة على سلامة النقد اللبناني والاستقرار الاقتصادي وتطوير السوق النقدية والمالية.
وعليه، يُستنتج مما تقدّم :
– انّ اموال الاحتياطي الإلزامي هي إيداعات ذات تخصيص محدّد لا يمكن استعمالها سوى للغاية المعدّة لها حصراً، بحيث لا يمكن تحويله، لأي سبب من الاسباب، إلى دعم المنتجات المستوردة من الخارج بأي شكل من الاشكال.
– كما انّه، ونظراً للطابع الإلزامي لهذه الاموال، ولكونها محتسبة بشكل نسبة من التزامات المصارف الناتجة من الودائع بالعملة الاجنبية، فإنّه يقتضي مع انخفاض الودائع، تحرير القسم من الاحتياطي الإلزامي المودع الذي يصبح متجاوزاً النسبة المطلوبة، وإعادة هذا الفائض إلى المصارف المعنية من احتياطي العملات الاجنبية لديه خارج لبنان إلى حسابات هذه المصارف في الخارج.
انّ جمعية مصارف لبنان، المؤتمنة على ودائع زبائنها، وانطلاقاً من تصريحاتكم المتكرّرة، تؤكّد دعمها القوي والصريح لموقف سعادتكم بعدم المسّ بالاحتياطي الإلزامي لأي سبب من الاسباب، وذلك حرصا على اموال المودعين.
وإذ تأمل الجمعية استمرار التعاون الحثيث مع مصرف لبنان بغية حماية اموال المودعين، نتمنى على سعادتكم اعلان هذا الموقف بشكل رسمي وحاسم بأقرب فرصة ممكنة».
الرسالة الثانية
وفي الرابع من نيسان 2022، أرسلت جمعية المصارف إلى حاكم مصرف لبنان الرسالة التالي نصها:
«الموضوع: احتياطي المصارف الإلزامي في العملة الاجنبية
نشير بموجبه الى كتابنا تاريخ 31 آذار 2021 الذي لفتنا فيه سعادتكم الى الطبيعة القانونية الخاصة لأموال الاحتياطي الإلزامي، والتي لا يمكن استعمالها سوى للغاية المعدّة لها حصراً، بحيث لا يمكن تحويلها، لأي سبب من الاسباب، الى غير الغرض الذي أُنشئ من اجلها.
ولمّا كانت اموال الاحتياطي الالزامي هي اموال المودعين، فإنّه قد هال جمعيتنا ما تسمعه حول استعمال مصرف لبنان هذه الاموال لأغراض مختلفة غير تلك التي أُنشئ من اجلها، رغم جميع التحذيرات الشفهية والخطية وآخرها الكتاب المشار اليه اعلاه، بعدم جواز المساس بها وبضرورة المحافظة عليها كاملة دون نقصان. وقد ازداد هلع المصارف حين بلغها انّ اموال الاحتياطي الإلزامي قد تدنّت بشكل كبير، وهي معرّضة لمزيد من الانخفاض.
انّ استعمال هذه الاموال من قِبل مصرف لبنان على النحو المعروض اعلاه هو استعمال غير قانوني كما تعرفونه تماماً، بدليل تصاريحكم المتكرّرة على هذا النحو ومطالبتكم المتأخّرة بتغطية قانونية عبر مرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء للترخيص لكم باستمرار استعمالها على هذا النحو. وفي هذا الاطار، تلفتكم جمعيتنا الى انّ صدور هذا المرسوم لا يكفي لإضفاء التغطية القانونية على هذا الاستعمال. ذلك انّ اهداف الاحتياطي الإلزامي محدّدة في قانون النقد والتسليف، ولا يمكن تعديل هذه الأعراف بمرسوم. فحتى القانون لا يستطيع ان يبرّر هدر حقوق المودعين والإخلال بمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين المنصوص عنها جميعها في الدستور اللبناني، حيث لا يُعقل ان يتحمّل المودعون وحدهم دون سائر المواطنين، أعباء دعم الاقتصاد بصورة عامة.
كما لا بدّ في هذا الاطار من التذكير ايضاً بمضمون كتابنا المشار اليه اعلاه حول حق المصارف باستعادة كل اموال الاحتياطي الالزامي التي تحرّرت، أكان نتيجة تدني حجم الودائع بالعملة الاجنبية او نتيجة تخفيض نسبة الاحتياطي من 15 الى 14%، وهذا ما تمّ تجاهله من قِبل مصرف لبنان لغاية تاريخه.
انّ جمعية مصارف لبنان، الحريصة على القطاع المصرفي، تدقّ ناقوس الخطر مرة اخرى، على امل ان يستجيب مصرف لبنان ويعمل على إعادة الاموال المحرّرة من الاحتياطي الالزامي بكاملها للمصارف وبأسرع وقت، عبر تحويلها اليها عبر المصارف المراسلة في الخارج، كي تعيدها بدورها الى المودعين الذين هم اصحاب الحق باستعادتها. هذا بصرف النظر عن مطالبة الجمعية باستعادة جميع ودائعها في مصرف لبنان توخياً ايضاً لإعادة حقوق المودعين. وهذا ما اقتضى بيانه».
مقالة خلف
وبعد ايام على الرسالة الثانية، كتب خلف في مقالته الشهرية متسائلاً:
«هل ستُسأل المصارف عن ضياع ما تبقّى من الودائع؟
عند بدء الأزمة المالية كان احتياطي مصرف لبنان (من أموال المودعين) يفوق 31 مليار دولار، وها هو اليوم يتدنّى الى مستويات خطيرة. والنزف ما زال قائماً والفجوة المالية الى اتساع. السؤال الأهم؛ إذا استمرينا بهذا النمط كم سيتبقّى للمودعين من أموال لدى مصرف لبنان في الأشهر القليلة القادمة؟ وهل ستستمر محاولات تحميل المصارف مسؤولية ضياع ما تبقّى من الودائع التي يمثل الاحتياطي جزءاً منها؟ وما هي مسؤولية الدولة ومصرف لبنان عن كل ذلك؟ هل أنّ تدخّلات المصرف المركزي في سوق القطع كانت لها الفعالية التي تستأهل التضحية بأموال المودعين؟ علماً أنّ فعالية التدخّلات (إن وُجِدت) لا يمكن أن تُبرر استعمال أموال المودعين بأي شكل من الأشكال».