المصارف على قلب رجل واحد: سليم صفير أو رياض سلامة؟!

لا تختلف الرسالة التي وجّهتها جمعية المصارف إلى صندوق النقد عن موقف الجمعية نفسها من خطة لازار في 2020، عندما هاجمت تلك الخطة بمساعدة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وأعضاء لجنة المال والموازنة الممثلة فيها كل الأطياف السياسية والطائفية الوازنة.

كارلوس عبادي شيطان أم محامي الشيطان؟!

تلك الرسالة حملت توقيع مستشار الجمعية كارلوس عبادي، الذي يشيطنه البعض في السياسة، وفيها رفض لتحميل المصارف جزءاً من مسؤولية توزيع الخسائر لا سيما شطب الرساميل وإعادة تكوين الأموال الخاصة، ورفض دخول مساهمين جدد في القطاع، وتجاهل طلب تقييم جودة أصول المصارف لتحديد من يستمر ومن يتجه للتصفية أو الإفلاس، والتهويل على المودعين بالخلط بين الاعتراف بالخسائر وشطب الودائع، واقتراح وضع أصول الدولة وعقاراتها ومرافقها وذهبها في معادلة إطفاء تلك الخسائر البالغة 75 مليار دولار. بالإضافة إلى إشارة تهديد بأن التفاهم مع الصندوق غير دستوري وغير قانوني يسهل إسقاطه في المجلس النيابي بفعل تواطؤ سياسيين مع مصرفيين، وإشارة ابتزاز إلى نسبة تصويت المصارف في التفاوض مع حملة سندات اليوروبوندز، ما يعني التهديد بعرقلة خطط إعادة هيكلة الدين العام.

موجة غضب استدعت بيانات سطحية غير حاسمة

أثارت الرسالة الفجّة والصريحة، موجة غضب تجلّت في بعض الإعلام ووسائل التواصل ما دفع بمصارف إلى ادّعاء التمايز، والتظاهر بعدم قبولها. وذهب البعض لامتطاء الاعتراض طمعاً في تجميل صورة ممسوخة، والبعض الآخر أصدر بيانات خجولة من باب أن الرسالة لم تناقش في الجمعية، وأن أعضاء لم يطلعوا عليها قبل إرسالها. ولحسم الجدل، صدر بيان عن الجمعية يذكر «أن الاتفاق مع الصندوق هو أحد أبواب الخروج من الأزمة». وكلمة «أحد» تعني أن هناك أبواباً أخرى أبرزها ما تطرحه المصارف وتطلب فرضه. ويشير البيان إلى «تراتبية المسؤوليات ونسبة تحمّل الخسائر مع رفض تحميل القطاع والمودعين كافة الخسائر التي تسبب بها القطاع العام». ما يعني، بالنسبة إلى المصارف، أن الدولة تتحمّل الجزء الأكبر من الخسائر أولاً وليس القطاع المصرفي، حتى لو جاء ذلك على حساب أصول الدولة وإيراداتها. إذاً، مضمون البيان لا يختلف في جوهره عن رسالة كارلوس عبادي.

رغم ذلك يمكن الإشارة إلى أن مصارف مثل عودة (حنا ودبس يتبادلان الأدوار) واللبناني الفرنسي (روفايل) ولبنان والمهجر (الأزهري) والبحر المتوسط (ريا الحسن)… ترغب في عدم توسيع شقة الخلاف مع الحكومة والبحث عن حلول تسووية تبقى في صالح البنوك عموماً، مقابل تعنّت صدامي لبنك بيروت (صفير) وفرنسبنك (القصار) وسوسييتيه جنرال ( الصحناوي والصغبيني يتبادلان الأدوار)… وهناك فريق ثالث مشكوك في صدقيته أساساً مثل الموارد (خير الدين) ومصارف مفلسة بشكل أكيد ترغب دائماً في البقاء وراء رياض سلامة لعلّ وعسى يخرج أرنباً جديداً من قبّعته لا سيما أنه يرفض رفع السرية المصرفية ويقاوم الوصول بالقطاع إلى الحد الذي يريده صندوق النقد، وقد يستفيد من اللعب على تناقضات الجمعية لتحريض البعض فيها على هذا الطرح أو ذاك الشخص، على قاعدة فرّق تسد.كل المصارف ضد تطبيق حذافير الاتفاق مع صندوق النقد

عموماً، لا شيء يشي بأن هناك مصارف تقبل كامل مضامين الاتفاق مع صندوق النقد، لا بل إنّ جميع الأعضاء بلا أي استثناء مع تعديل ذلك الاتفاق وما التمايزات إلا في الشكل لا في المضمون. والخلاف تكتيكي لا استراتيجي. مع الإشارة إلى أن هناك من بدأ يوقن بأن لا بديل عن الاتفاق مع صندوق النقد، وأن الخسائر واقعة لا محالة، وتحديداً على رساميل المصارف بالدرجة الأولى. والمصرفيون قد يقبلون ذلك ضمناً، ويخفون في أكمامهم ورقة لا تخرج إلا عند الحديث عن مسؤولية أصحاب المصارف ومجالس إداراتها وإداراتها التنفيذية العليا. مسؤولية تطال الأصول التي يملكونها وثرواتهم الشخصية إذا تبيّن أن الأخطاء الجرمية تذهب إلى هذا الحدّ من طلب التعويض على المودعين. عندئذ، سنرى الأنياب بارزة… ولا تظنّن أن المصارف تبتسم! وتتعين الأشارة الى رعب يدب في مفاصل المصرفيين من الدعاوى لا سيما الخارجية منها. فربح تلك الدعاوى سيأتي على أموالهم الشخصية وعلى الأموال التي حولوها الى الخارج بعد اندلاع الأزمة. ومعظم المعلومات تشير الى أن اصحاب المصارف واعضاء مجالس اداراتها وكبار التنفيذيين فيها لديهم ثروات طائلة وأصول ثمينة في الخارج.

مناورة يجب أن تستمرّ إلى ما شاء الله وقدّر

في الأثناء، هناك مناورة يجب أن تستمرّ طالما لا اتفاق رسمياً نهائياً بعد مع الصندوق، وطالما هناك من في السلطة يدّعي أن «الودائع مقدسة» مثل الرئيس نبيه بري، أو أنه لا بدّ من صندوق سيادي يضمّ أصول الدولة لإطفاء الخسائر من ايراداته مثلما يقول النائب جبران باسيل وغيره. ماذا تريد المصارف أفضل من ذلك؟ لا شيء يذكر! وبالتالي، ليس عليها إلا الشدّ على أيدي السياسيين غير الموافقين ضمناً على الاتفاق مع الصندوق أو كما فعل علناً وزراء الثنائي الشيعي باعتراضهم على خطة الحكومة المبنية على الاتفاق مع الصندوق.

لا تريد المصارف الإساءة إلى صورتها أكثر مما هي سيئة الآن. وأيّ استفزاز كالذي يحاول رئيس الجمعية سليم صفير المبالغة به يضرّ بتلك الصورة أكثر، لذا انبرى من عارضه ولو بكلمات منمّقة لا ترقى إلى شق الصف المصرفي، أو كما فعل بيان بنك الموارد في محاولة لرتق بكارة خاصة فيه.

انصروا رياض سلامة ظالماً كان أم مظلوماً

ولا ننسى أن بين المصارف من يدين لحاكم مصرف لبنان ببقائها على قيد الحياة، ليس خلال الأزمة بل منذ ما قبلها. كيف لا والهندسات المالية أنقذت مصارف من التعثر أو الإفلاس لا سيما في الخارج. ولا ننسى أيضاً مصارف أنقذها سلامة في الداخل بتعويمها رغم أنها كانت فاقدة رساميلها وأموالها الخاصة في السالب. هذه المصارف تفضل الاصطفاف خلف سلامة سواء كان ظالماً أم مظلوماً، خصوصاً أنه منع حتى تاريخه (بالحربقة القانونية واللاقانونية) إفلاس أي مصرف في لبنان، رغم أن السواد الأعظم متعثر أو مفلس.

القانون فيصل فوق الجميع، لكننا لسنا في دولة قانون

لم تستطع المصارف حتى الآن التنصّل من مسؤولياتها إلا بغطاء سياسي وقضائي. فالإجهاض كان بالمرصاد لكل محاولات المودعين الادّعاء على المصارف وتحصيل الحقوق كاملة منها. وهنا يتعيّن التذكير بمواد في قانوني التجارة والنقد والتسليف واضحة وصريحة تحمّل المصارف ومجالس إداراتها المسؤولية لعدة أسباب أبرزها:

1 – الإمعان على مدى سنين في إيهام المودعين بأن القطاع بأفضل أوضاعه، وإغرائهم بالفوائد المرتفعة لحملهم على إيداع أموالهم في المصارف، بالرغم من يقينهم بأنهم قد لا يتمكنون من إعادة الودائع لأصحابها، كما صرّح عدد من المصرفيين في خلال عقدين من الزمن… بلا طائل.

2 – عدم مراعاة حسن استعمال الأموال التي تتلقّاها البنوك من الجمهور، مع علمها بالأوضاع الاقتصادية المتردّية بصفتها محترفة في المجال المالي، وقبولها المخاطرة بالأموال التي تلقتها لتمويل الدولة من دون أخذ ضمانات كافية لحماية أموال المودعين وضمان الإيفاء. فمنذ العام 2000 تجاوز الدين العام الناتج المحلي ما أشار بوضوح إلى إمكان التعثر. كما أمعنت المصارف في الإيداع لدى البنك المركزي رغم تسجيله خسائر تتراكم، في بند موجودات أخرى، منذ أكثر من 20 سنة.

3 – الانكشاف بنسبة وصلت إلى 70% على مقترض واحد (الدولة ومصرفها المركزي)، وهي نسبة غير مقبولة على الإطلاق في الممارسات المصرفية العالمية السليمة، لأنها تحمل مخاطر جمة اتّضح أنها كارثية على المودعين.

4 – إخفاء الوضعية الحقيقية للمصرف عبر نشر بيانات مالية غير صحيحة، مثل معدلات الملاءة والسيولة وغيرها من المؤشرات التي كانت تتجمّل أو تخضع لمساحيق تخفي هزالها. وهنا يتحمل مدقّقو الحسابات ولجنة الرقابة على المصارف مسؤوليات جساماً، ويمكن الادعاء عليهم أيضاً.

5 – الإضرار بالمصرف عن سوء نية، واستعمال الأموال أو الإمكانات الإئتمانية بما يضرّ بمصالحه، وذلك لغايات شخصية أبرزها التربح من الفوائد الباهظة (الربا الفاحش)، والإستفادة من الهندسات المالية التي انتقدها صندوق النقد ونوهت بـ»لا سويتها» مؤسسات التصنيف الإئتماني.

6 – قبيل اندلاع الأزمة وبعيدها، عمد مصرفيون إلى استعمال أموال المودعين لإخراج أموالهم وأموال خاصة ببعض المحظيين من ذوي النفوذ، واستخدام معلومات داخلية على حساب المودعين.

7 – بعد اندلاع الأزمة، شرعت المصارف في ممارسات تعسفية وانتقائية لتحديد السحوبات ومنع التحويلات باستثناء المحظيين. وذلك بتغطية كاملة من مصرف لبنان والسياسيين النافذين والقضاء المرتشي أو الجبان أو الغافل.

رياء في الإختباء وراء المودعين واتّخاذهم متراساً

«فوق الدكة شرطوطة» كما يقول المثل العامي. فجمعية المصارف تختبئ خلف المودعين، وبالتالي تقف ظاهرياً معهم ضد خطة الحكومة الرامية إلى حفظ حقوق صغار المودعين بالدرجة الأولى دون غيرهم. وهنا تتجلى معضلة شعبوية مقولة «قدسية الودائع»، واستخدام إيرادات أصول الدولة لرد الودائع خصوصاً الكبيرة منها والمملوكة من أقل من 1 % من المودعين. الخروج من المأزق يكمن في ما جاء في الاتفاق المبدئي مع الصندوق، لجهة تعديل قانون السرية المصرفية بما يسمح بالدخول عميقاً في بنية الودائع. والأسئلة التي تطرح نفسها هي:

الودائع لا تشبه بعضها… فيها الغث وفيها السمين

أ- هل إذا وجدنا ودائع لنافذين سياسيين وضباط وأمنيين وقضاة وموظفي قطاع عام بالملايين، وربما بعشرات ملايين الدولارات، تبقى مقولة «القدسية» صحيحة؟ أم يجب شطب هذه الودائع إذا فشل أصحابها في تبرير مصادرها التشغيلية الحقيقية وثبت فسادهم واستغلالهم النفوذ بغية الإثراء غير المشروع؟ وهل نتركهم طلقاء أم نطلب محاكمتهم؟

ب- هل إذا وجدنا ودائع لأثرياء وتجار ومصرفيين ومقاولين وصناعيين بعشرات الملايين، إن لم نقل بالمئات، تبقى مقولة «القدسية» سليمة وأن أصول الدولة كفيلة برد الحقوق لأصحابها من دون معرفة من تهرّب من الضرائب لجمع هذه الثروات، ومن استغلّ نفوذه وعلاقاته في عقود وتلزيمات لجمع الثروات من دون وجه حق على حساب المال العام والمجتمع بأسره؟

ج- هل إذا وجدنا مليارات الدولارات في حسابات أجانب نسلّم جدلاً بأحقية سدادها كاملة، حتى لو تضمّنت أموالاً متهربة من الضرائب في بلدانها أو نتاج أموال فساد وما شاكل؟

د- ثم هل نقبل رد ودائع الأجانب باستخدام أصول الدولة وعقاراتها كما يطرح مصرفيون؟ وهل يقبل اللبنانيون تمليك عقارات لأجانب أصحاب ودائع بالمليارات في لبنان؟

ه- هل تسدد كل الودائع التي تراكمت فيها فوائد باهظة (مصنفة ربا فاحش) على مر سنوات طويلة، فتضاعفت تلك الودائع بالفوائد فقط لا سيما تلك التي جذبتها المصارف بمعدلات عوائد تزيد على 7% وصولاً إلى 15 و20% ؟؟ علماً أن الفوائد كانت وصلت على الليرة في التسعينيات إلى 39%.

و- وماذا عن ودائع تقدر بنحو 35 مليار دولار حولت من ليرة الى دولار، فهل تستحق بالدولار كأن شيئاً لم يكن؟

توريط لبنان في ما لا تحمد عقباه

تبقى الإشارة إلى أن المصارف تتجاهل أن التشدد في ادعاء طلب اعطاء الاولوية والافضلية للمودعين مهما كانت أحجام ودائعهم سيورط الدولة مع حملة سندات اليوروبوندز الخارجيين الذين لن يقبلوا الا بالمعاملة بالمثل لتحصيل سندات قيمتها 30 مليار دولار بالاضافة 10 مليارات تحملها المكتتبون اللبنانيون ابرزهم المصارف. وهذا يشبه من يحفر حفرة لأخيه.. ولا عجب إذا كان بين مصرفيي لبنان من يشبه إخوة النبي يوسف؟

مصدرنداء الوطن - منير يونس
المادة السابقة…حتى “المونة” البسيطة أصبحت غالية!
المقالة القادمة3 إلى 6 آلاف دولار كلفة سياحة العائلة في لبنان هذا الموسم