المصارف والصرّافون والتصريف

قبل أقل من شهر انتخب اللبنانيون ممثليهم في الندوة البرلمانية لولاية جديدة، وقبل أسبوع انتخب النواب رئيسًا لمجلسهم ونائبًا له في جلسة محتدمة نسبيًا، وسيلتئم المجلس غدًا لانتخاب رؤساء وأعضاء اللجان النيابية جريًا على ما درجت عليه المجالس النيابية في لبنان منذ العام 1922 مع انتخاب المجلس التمثيلي الأول وكان عدد اللجان 4 وتطوّر ليصبح اليوم 16 لجنة.

يُفترض أن تكون اللجان النيابية بعيدة عن الاصطفافات السياسية لتستطيع الفصل بين السياسة والتشريع، لكنّ الواقع يدلّ على العكس تمامًا، وها هو الصراع يحتدم بين الكتل النيابية على رئاسة اللجان وعضويتها لتضمن كل منها وجود ممثل عنها في تلك اللجان. غدًا سيجتاز النواب الامتحان الأول فإما أن يغرقوا في المحاصصة أو يقدموا نموذجًا جديدًا في العمل البرلماني يُبنى عليه لرسم طريق المستقبل.اللجان النيابية هي «المختبر» الذي تتم فيه دراسة مشاريع واقتراحات القوانين قبل أن تُعرض على الهيئة العامة لإقرارها، واللجان النيابية التي ستُنتخب غدًا مطالبة بالتأني في دراسة كمّ هائل من مشاريع واقتراحات القوانين العالقة في عنق الزجاجة وعليها إعادة ترتيب الأولويات للبدء بما هو حيويّ لإخراج المواطن من جهنم الانهيار المالي والصحّي وإعادة العجلة الاقتصادية إلى الدوران.

أما الحكومة العاجزة فقد اعتُبرت مستقيلة بحكم الدستور بعد انتهاء ولاية المجلس النيابي الذي منحها الثقة فصار اسمها «حكومة تصريف الأعمال» وباتت عاجزة عن اتخاذ إجراءات رادعة توقف الانهيار المستمر، متسلّحةً باعتبارها مستقيلة لتتنحى جانبًا وكأنها لم تعد معنية بما يحصل لمواطنيها من تنكيل وإذلال وقهرمن خلالاستبداد المصارف واحتجازها لأموال المودعين ووضع سقوفٍ لسحوباتهم حتى بالليرة اللبنانية، وفوضى الصرّافين المتحكّمين ليل نهار بالسوق السوداء وإدارتهم لأكبر عملية تلاعب بسعر صرف العملات الأجنبية والخسارة دائمًاعلى المواطن المسكين، وجشع التجّار المتلاعبين بالأسعار تحت ستار ارتفاع سعر العملات الأجنبية فيما الاستيراد يتم بسعر منصّة «صيرفة» والضحية هو المواطن الذي لا حول له ولا قوّة.لأنها لم تعد تخشى مساءلتها أمام المجلس النيابي.

وهكذا تبقى دوامة المصارف والصرافينوتصريف الأعمالسيفًا مسلّطًا على رقاب العباد وتهديدًا لمستقبل البلد إلى أجل مرشّح لأن يطول.

نواب الأمة مطالبون الآن،القيام بواجباتهم أمام ناخبيهم وأمام الوطن بتسليط السيوفوتسريع تشكيل حكومة تتحمّل المسؤولية كاملة بدل تصريف الأعمال، قبل أن نصل جميعًا إلى حالة «تصريف الوطن».

مصدراللواء - د. نعمة جعجع
المادة السابقةالمصارف تحتكر تجارة الشيكات… و”تتصيّد” المودعين الأجانب
المقالة القادمةإلى اللبنانيين…مصير جوازات السفر يُُحدّد اليوم