قبل بضعة أيام قرّرت بعض المصارف أن تستوفي القروض من زبائنها بشيكات الدولار في إطار توقّعات تشير إلى أن سعر شيكات الدولار سيزداد عندما تُقرّ الموازنة التي سيعتبرها مصرف لبنان بمثابة تحديد لسعر الصرف الرسمي بما يوازي سعر السوق الحرّة. وبحسب المعطيات السوقية، منح بنك بيبلوس الزبائن فرصة تسديد القروض بشيكات الدولار المحتسبة على أساس 15 ألف ليرة لكل دولار مقابل توسيع السقف الأقصى لكل شيك إلى 100 ألف دولار. كذلك قرّر بنك لبنان والخليج أن يتيح لزبائنه تسديد القروض بعد احتساب سعر الشيك بمعدل 15% شرط تسديد القرض كاملاً. وبنتيجة ذلك، ارتفع الطلب على الشيكات المصرفية بالدولار وازداد سعرها الذي كان يُحتسب على أساس ما بين 12% و13% من سعر الدولار النقدي، إلى 15% و16%. أي أن كل دولار مصرفي صادر بواسطة الشيكات كان يوازي 12 سنتاً من الدولار النقدي، ثم أصبح 16 سنتاً.لم يأت هذا الأمر من فراغ. فللمسألة أساس بدأ في مشروع موازنة 2024 عندما رُفعت أسعار الضرائب والرسوم بشكل كبير واحتُسبت غالبيتها على أساس سعر الدولار في السوق الحرّة. تلقّف حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري هذه الخطوة وبنى عليها مشروعاً يقضي بأن تُحتسب أسعار الدولارات العالقة بالمصارف والتي يجري تداولها بواسطة الشيكات، بالسعر الذي سيصدر في الموازنة بدلاً من السعر المعتمد حالياً والبالغ 15000 ليرة. وجرى الترويج لهذا المشروع انطلاقاً من النقاشات التي دارت في المجلس المركزي لمصرف لبنان بشأن التعميم 151 الذي يحدّد بشكل غير مباشر سعر صرف الدولارات المسحوبة من المصارف بقيمة 15000 ليرة ضمن سقف سحب يبلغ 1600 دولار للزبون الواحد. منصوري كان يهدف إلى إلقاء تبعات توحيد سعر الصرف على مجلس النواب والحكومة معتبراً أن صلاحيتهما تقتضي بتحديد سعر صرف الليرة وأنه بإقرار الموازنة بهذا الشكل يصبح السعر المعتمد في الموازنة هو السعر المعتمد رسمياً. وبالتالي لا يكون له أي علاقة بتحديد سعر الصرف الذي سيُفرض على مصرف لبنان والمصارف أن تصوغ ميزانياتها وفق سعر صرف جديد يكبّدهما خسائر أكبر بكثير من تلك المحتسبة على أساس سعر صرف يبلغ 15000 ليرة.
جرى نقاش هذا المشروع في لجنة المال والموازنة بحضور منصوري انطلاقاً من المادة 21 التي تشير إلى أنه يجاز تسديد الضرائب والرسوم والغرامات التي توجّبت على المكلفين قبل 15/11/2022، وضمن مهلة ستة أشهر، من «حساباتهم المفتوحة بالعملة الأجنبية لدى المصارف العاملة في لبنان بتاريخ سابق لـ18/10/2019 وذلك على أساس 40% من سعر الدولار الأميركي على منصّة صيرفة».
النقاش تطرّق إلى أمرين: أولهما أنه لا يمكن اعتبار أن الموازنة حدّدت سعر صرف رسمياً بل إنها زادت قيم الرسوم والضرائب بمعدلات متفاوتة، وثانيهما أن صلاحية تحديد سعر الصرف لا تعود إلى مجلس النواب بل هي بيد الحكومة ومصرف لبنان. وقدّم رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان، للنواب والحاضرين دراسة قانونية أفضت إلى الآتي: «إن القول بأن سعر الصرف سيُحدّد بموجب مشروع موازنة عام 2024 لا أساس له من الصحة لأن مشروع الموازنة المذكور لم يتضمن لا بالنص ولا حتى بالأرقام تحديداً أو تعديلاً أو توحيداً لسعر الصرف… كل ما تضمّنه هذا المشروع هو تعديل بعض الضرائب والرسوم والغرامات بمضاعفة بعضها أربعين ضعفاً، ومضاعفة البعض الآخر عشرين ضعفاً، وحتى مئة وخمسين ألف ضعف في ما خصّ رسم تسجيل شركة في السجل التجاري. ومن جهة ثانية فإن قانون الموازنة ليس مجالاً للتشريع في كل شأن، وإنما هو كما حدّدته المادة الخامسة من قانون المحاسبة العمومية كما يلي: قانون الموازنة هو النص المتضمّن إقرار السلطة التشريعية لمشروع الموازنة. يحتوي هذا القانون على أحكام أساسية تقضي بتقدير النفقات والواردات، وإجازة الجباية، وفتح الاعتمادات اللازمة للإنفاق، وعلى أحكام خاصة تقتصر على ما له علاقة مباشرة بتنفيذ الموازنة».
ما حصل، بحسب مصادر لجنة المال والموازنة، أن منصوري عاد عن كلامه وبدأ يعدّ العدّة لتعديل سعر الصرف انطلاقاً من كون الأمر يقع بين يدي الحكومة ويدي مصرف لبنان. وبالتوازي، قرّرت لجنة المال والموازنة إلغاء المادة 21 التي تتيح تسعير الشيك على أساس 40% من قيمة الدولار الفعلي لغايات تسديد الضريبة. وتشير إلى أن ما يحصل في سوق الشيكات هو مجرّد رهانات تقوم بها المصارف وبعض تجّار الشيكات. وتشير المصادر إلى أن اعتماد سعر صرف رسمي يتطلّب أيضاً إقرار كابيتال كونترول حتى لا يصير إفلاس المصارف واقعاً عملياً.