المطلوب 6 مليار دولار سنوياً… وإلا “ع طلوع”

تبقى مسألة منصة صيرفة وإمكانية توقفها عن العمل، في لحظة ما، أو استمرار مصرف لبنان بتمويلها، موضع أسئلة تطرح كل مدة، على الرغم من التأكيد المتكرر لحاكم البنك المركزي رياض سلامة على أن العمل بالمنصة مستمر، بالإضافة إلى التعميم رقم 161 الذي يتضمن بنداً حول إمكانية تمديده تكراراً.

وتُطرح بالتوازي أسئلة حول قدرة مصرف لبنان على مواصلة التدخل لضبط سعر الدولار مع تراجع احتياطه النقدي من العملات الأجنبية. علماً أن سلامة صرَّح أخيراً أن الاحتياطي الموجود يبلغ حالياً 11.8 مليار دولار، أي أقل بـ200 مليون دولار من التوظيفات الإلزامية للمصارف، المفترضة، لدى مصرف لبنان، أي ما تبقى من ودائع المودعين.

ويشدد رئيس لجنة الرقابة على المصارف السابق سمير حمود، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، على “ضرورة التمييز ما بين صيرفة وبين حجم تدخل مصرف لبنان على المنصة، وما بين صيرفة وبين التعميم رقم 161، لأن صيرفة هي منصة إلكترونية وظيفتها الأساسية تنظيم سوق القطع”.

ويوضح، أن “ما يحاول حاكم مصرف لبنان فعله هو أن تكون صيرفة بمثابة دائرة، والتي في ما لو كانت محكمة الإغلاق، لكانت إمكانية إدارتها كاملة. لكن دائماً في سوق متذبذب، يكون هناك في هذه الدائرة فتحة تسرُّب أو ما يسمّى leakage، وهنا المشكلة الكبيرة”.

ويقول، “طريقة عمل هذه الدائرة تتم بأن مصرف لبنان يشتري الدولارات التي تصل إلى لبنان من شركات تحويل الأموال أو الصرافين. فكل من يصرّف دولارات عند الصرافين يلاحظ أنه يعطى في المقابل ليرات ورقية جديدة، إذ يحصلون عليها من مصرف لبنان مقابل الدولارات التي يبيعونها له”.

ويضيف، “من ثم، يقول للمصارف بيعوا الدولارات التي أعطيكم إياها وحصِّلوا لي الليرات التي أعطيها للصرافين، لأن عند قيامه بضخّ ليرات إضافية في السوق لشراء دولارات سيكون مضطراً للعودة إلى ضخ دولارات لسحب الكتلة الإضافية النقدية بالليرة”.

ويلفت، إلى أنه “لو كانت هذه الدائرة مغلقة، بمعنى أن يأخذ مصرف لبنان الدولارات من شركات تحويل الأموال والصرافين ويعطيها للمصارف، التي تعطيها بدورها للمواطنين والمستهلكين والموظفين، الذين يقومون بدورهم بصرفها في الأسواق أو يلجأون لشراء الدولار من الصرافين، الذين يبيعونه من الأموال الآتية من الخارج عبر التحويلات وغيرها، لكانت عملية تنظيمية لا غبار عليها”.

لكن المشكلة كما يوضح حمود، “هي في الـ leakage الحاصل، إذ إن الدولارات الآتية من الخارج لا تبقى داخل هذه الدائرة، إنما يتسرَّب قسم كبير منها لشراء الاحتياجات والمواد والسلع الأساسية المختلفة المستوردة، وكلفة هذه الاحتياجات أكبر بكثير من الدولارات التي تدخل إلى البلاد”، مشيراً إلى أن “هذا التسرُّب يشار إليه بميزان المدفوعات، حيث كان الخلل فيه نهاية العام 2021 ملياري دولار، وفي الفصل الأول من العام 2022 الحالي كان حوالى مليار و400 مليون دولار”.

ويشدد، على أن “هذا ما يخنق الإجراءات التي تتخذ، سواء كانت منصة أو تعميم 161 أو غيرهما، إذ كيف سيغطي مصرف لبنان هذا التسرُّب من الدائرة؟ هل يصرف دولارات من احتياطه؟”، مؤكداً أنه “في كل اقتصاديات العالم، التصرف الطبيعي هو أن المصرف المركزي يتدخل في استقرار سعر الصرف من احتياطه النقدي الخاص الحرّ لا من ودائع الناس، بينما مصرف لبنان لم يعد لديه احتياطياً حرّاً، وما يتصرف به هو ما تبقى من ودائع الناس”.

بالإضافة إلى ذلك، يؤكد حمود، أنه “لا يوجد مصرف مركزي في العالم يستعمل أدوات نقدية لسحب عملة بلده من السوق، وفي حالتنا الليرة، من خلال بيع دولاراته. قد يستعمل شهادات الإيداع، أو أدوات نقدية مختلفة من إصدار أذونات وسندات يصدرها بشكل دائم ويبيعها لسحب الليرة، لكن لا أحد يبيع عملاته الأجنبية التي لا يملك أي قدرة عليها إلا كعملة احتياط، لسحب عملة هو من يطبعها ويصدرها! هذا منطق غير معقول وغير مقبول”.

ويشير، إلى أن “هذا التسرب في الدائرة مهما سمَّيناه، منصة أو تعميم 161 أو غيرهما، يعني بالنتيجة أن حجم ما يدخل إلى البلد من دولارات هو أقل من المطلوب لتلبية الاحتياجات الأساسية. علماً أن ما يدخل من دولارات إلى لبنان ليس بقليل، ويبلغ نحو مليار دولار شهرياً على الأقل”.

لكن حمود، يؤكد، أن “احتياجاتنا في وضع صحيّ وعافية كاملة اقتصادياً، تبلغ نحو ملياري دولار شهرياً، وفي وضع مقبول وطبيعي نسبياً بحاجة إلى نحو مليار و500 مليون دولار شهرياً. بالتالي مشكلتنا في الـ500 مليون دولار الناقصة شهرياً، أي إلى 6 مليار دولار سنوياً، كي يستقر وضع البلد مجدداً”.

ويرى، أن “مصرف لبنان لا يستطيع ضبط هذه العملية إلى ما شاء الله. هو يستطيع فقط أن يسيسر الأمور إلى نهاية ولاية الحاكم سلامة بعد نحو سنة. فالهدف كان حماية مجلس النواب والحكومة والعهد، وضف إلى ذلك حماية سلامة نفسه. والأخير يملك ما يكفي من دولارات لمواصلة اللعب على هامش هذا التسرُّب في الدائرة، لفترة سنة تقريباً، والقول إنه يسيطر على السوق ويؤمِّن الاستقرار، كي يحفظ ماء وجهه عند انتهاء فترة ولايته”.

ويؤكد حمود، أن “لبنان يحتاج إلى نحو 6 مليارات إضافية عمّا يدخل إليه سنوياً، للنهوض وعودته إلى عافيته وعودة الحياة إلى بيروت”. ويقول، إن “النهوض ليس مستحيلاً شرط أن نعرف مكامن قوتنا”، لافتاً إلى أن “نصف القوة العاملة من أبنائنا هي في الخارج، ومجموع مداخيلهم يبلغ نحو 25 مليار دولار سنوياً، أي أكثر من الناتج المحلي بكامله. فالأولوية يجب أن تكون للإنسان اللبناني، ولا حل ما لم نتجه إلى إصلاحات بنيوية، وبدايةً، إعادة تكوين قطاع مصرفي سليم ومتين وشفاف وضمان حقوق المودعين”.

وبرأيه، “نحن في مرحلة تقطيع الوقت بالفترة المقبلة، على فترة نحو سنة كما أشرنا، وسيظل مصرف لبنان متحكماً بالدولار وهو على صعود. بمعنى يتدخل في السوق في محطات معينة عند تسجيل قفزات وارتفاعات غير مضبوطة، ومن ثم استقرار مؤقت نسبي، يليه قفزات جديدة، وهكذا دواليك، إنما الاتجاه العام هو استمرار صعود الدولار”.

مصدرموقع القوات اللبنانية - أمين القصيفي
المادة السابقةأين اختفت الدولارات؟ ومَن «التهمها» بسرعة؟
المقالة القادمةبينها لبنان… 5 دول عربية “بؤر ساخنة للجوع”!