“المعاينة” راجعة… بلا زحمة وسعر أدنى!

في حين تسعى الحكومات الرشيدة إلى تعزيز مفهوم «أنسنة المؤسّسات» أي الإبتعاد عن الإستبداد الإداري وتعقيداته، تُشكّل الإدارات في لبنان مرتعاً للتعاسة والعنف النفسي والمعنوي. من بينها وأكثرها شهرة: مراكز المعاينة الميكانيكيّة. طوابير من الذلّ تخنق المواطنين وتسرق ساعاتهم الطويلة في جحيمٍ يوميّ. هذا الواقع كان قد دفع بوزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي إلى توقيع قرار إلغاء العمل بالمعاينة الميكانيكية في 20 أيار 2022 «حتى إشعارٍ آخر».

وأحال وقتها شركة «فال» المشغّلة إلى النيابة العامة التمييزية، لـ»تقاضيها مبلغ 120 ألف ليرة لبنانية لقاء كل معاينة من دون أي مسوّغ شرعي». وطلب آنذاك من هيئة إدارة السير والآليات والمركبات – مصلحة تسجيل السيارات والآليات، تمديد العمل بالإفادات الصادرة عن الشركة الملتزمة المعاينة الميكانيكية إبتداء من تاريخ 1/1/2020 واعتبارها صالحة لاستيفاء رسوم السير السنوية (الميكانيك) عن العام 2022 والسنوات السابقة، على أن تُحصر بفئتي السيارات السياحية والدراجات النارية فقط. وبذلك أصبح بإمكان أصحاب العلاقة الذين خضعت سياراتهم السياحية أو دراجاتهم النارية بنجاح للمعاينة في العام 2020 أو 2021 دفع رسوم الميكانيك عن العام 2022 والسنوات السابقة، من دون الطلب منهم إبراز إفادة صادرة عن المؤسسة المعتمدة تُثبت أن السيارة قد خضعت للمعاينة أو الكشف الميكانيكي الدوري.

بعد عام تقريباً على قرار الداخلية، أعلن مولوي أمس، خلال إطلاق مناقصة عمومية لتلزيم إدارة وصيانة وتشغيل مراكز المعاينة الميكانيكية، أنه «تمّ إفساح المجال للشركات الصغيرة والمتوسطة كي تشترك في المناقصة، وبموجب دفتر الشروط سيتمّ استخدام 80% من العمال في الشركة السابقة والـ20% أو سافروا أو وجدوا فرص عمل أخرى».

وأشار إلى أنّ «الهيئة الوطنية لإدارة السير ستموّل نفسها بنفسها ووزارة الداخلية صدّقت محضر هيئة إدارة السير وسيتمّ الإعلان عن المناقصة عبر موقع هيئة الشراء العام». وأوضح أنّه «خلال شهرين إلى 3 أشهر نكون قد انتهينا من هذه العملية، ونحن بصدد السير بإعداد دفتر شروط لمناقصة جديدة للبارك ميتر في بيروت». كما كشف أنّ «المعاينة كانت مخالفة للقانون، ووعدنا أنّنا سنعدّ دفتر شروط قانونيّاً وشفّافاً اطلعت عليه هيئة الشراء العام ليؤمّن تكافؤ الفرص لكلّ العارضين».

وعن ميزات دفتر الشروط، قال إنّ «الدولة اللبنانية ستستعيد القطاع وستكون المناقصة على أساس السعر الأدنى للخدمة إضافة إلى بدل خدمة يكون بسيطاً تحدّده هيئة إدارة الخدمة». وأكّد مولوي أننا «سنعمل على وضع آلية مع الشركة الفائزة للتخفيف من إزعاج المواطنين والزحمة الخانقة لهم وهذا سيتم عبر التنسيق ليلاً ونهاراً بين الوزارة والشركة». وأوضح أن «جزءاً من سبب الزحمة الخانقة هو تأخّر المواطنين عن إنجاز المعاينة ما يحتّم عليهم التوافد لإنجازها عند استحقاق موعدها».

قصّة «المعاينة» الدرامية، هي سلسلة من مسلسلات «إبريق الزيت» في لبنان. أزمتها مستمرّة منذ العام 2002 رغم صدور المرسوم رقم7577 عن مجلس الوزراء، يتضمن النظام الخاص لإجراء الكشف الميكانيكي على السيارات والمركبات والمقطورات. وأجاز المرسوم لوزارة الداخلية والبلديات إجراء مناقصة عمومية لاختيار شركة تُدير المرفق. وفازت يومها شركة «فال» من ضمن 7 شركات عالمية، بعقد استثمار لمدة 9 سنوات كان يُفترض أن تنتهي عام 2012. غير أنّ الحكومة عمدت إلى التمديد لها لمدة 6 أشهر، وتكرّر الأمر حتى 2016، بعد إجراء مناقصة جديدة فازت على أثرها شركة «SGS». لكن المفارقة أنّ الشركة الأخيرة لم تباشر أعمالها، بعدما تقدمت إحدى الشركات المنافسة طعناً أمام مجلس شورى الدولة، فاستمرت «فال» بالعمل من دون مسوّغ قانوني، وفق قاعدة «تسيير المرفق العام».

فهل تتكرّر سيناريوات المرحلة الفائتة، أم أن «الميكانيكية» ستعاين عهداً جديداً، بوجود وزير يسعى إلى تصريف خدمات المواطنين بذهنية مختلفة، تُحاكي مفهوم التطوّر الإداري، مع مظّلة رقابية يُشهد لها في الشفافية والمناقبية ومتابعة الملفات أي هيئة الشراء العام.

 

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةفي مؤسسات الدولة: صورة متشابهة في الإزدحام ومتناقضة في الأسباب
المقالة القادمة6 إشارات تُنذر بأزمة ائتمانية محتملة في الولايات المتحدة