أزمات مزدوجة تحاصر قطاع مقاولي الأشغال العامة والبناء، عنوانها العريض عدم تسديد المستحقات المتوجبة على الدولة ما يهدّد بإفلاس عشرات المؤسسات.
المشاريع في القطاعين العام والخاص في حالة جمود، والفوائد المصرفية المرتفعة تجعل من الإستثمار شبه مستحيل وتزيد أعباء المقاولين، أما تراجع الطلب على العقارات فقد أدى الى انخفاض تدفّق الأموال من القطاع الخاص فيما الحكومة عاجزة عن الإيفاء بمستحقاتها التي تجاوزت الـ 600 مليار ليرة. متناقضات، تلخّص المأزق الواقع فيه من ساهم في إعلاء البنيان والنهوض بالعمران.
يشكّل قطاعا المقاولات والعقارات ما نسبته ٣٠ في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويضمّ 500 شركة ناشطة من أصل 1800 شركة ومؤسّسة منضوية تحت نقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء.
إلا أن هذا القطاع الذي استفاد من فورة الإعمار بعد الحرب، ومن إرتفاع أسعار العقارات، “يمرّ اليوم بأزمة كبيرة جداً، وهو يعاني من جمود بدأ يتصاعد تدريجياً منذ العام ٢٠١١ حتى وصل اليوم الى الحدّ الأقصى”، يقول رئيس نقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء مارون الحلو، ويضيف معلّلاً السبب بـ “عدم توفّر الأموال في الدولة وعجزها عن القيام بأي إستثمارات جديدة، ودفع ما عليها من مستحقّات متأخّرة منذ سنوات للمقاولين”.
الوضع على المحكّ
لا تعاني شركات المقاولات من إرتفاع نسبة المديونية للمصارف التجارية فحسب، بل من إرتفاع أسعار الفوائد التي فاقت نسبتها ١٢ في المئة. يتزامن ذلك مع عزوف الدولة عن سداد ما يتوجب عليها للشركات والمقاولين من مستحقات منذ ما يتجاوز العشر سنوات، “الأمر الذي وضع الكثير من المقاولين من المستوى المتوسط وما دون في وضع صعب جداً، أصبحوا معه عاجزين عن دفع أصل الدين والفوائد”، يقول الحلو.
تتوزع ديون المقاولين على ثلاث مؤسّسات عامة، هي وزارة الطاقة والمياه، الأشغال العامة والنقل ومجلس الإنماء والإعمار. وتنقسم الى شقّين.
الأول، ديون مزمنة تقدّر بـ 90 مليون دولار مترتبة على وزارة الأشغال العامة، وحوالى 50 مليون دولار على مجلس الإنماء والإعمار. وقد نتجت عن فروقات الأسعار، وعدم تسديد الدولة حصتها من بعض المشاريع المشتركة مع الخارج، وعدم تنفيذ عقود المصالحات.
أما القسم الثاني، فهو عبارة عن ديون مترتبة على المشاريع قيد الإنشاء، وتقدّر بـ 70 مليون دولار متوجبة على مجلس الإنماء والإعمار، و30 مليون دولار على وزارة الأشغال العامة والنقل. يضاف إليهم كما قال الحلو، “مرسوم خطة النهوض بالإعمار، والمرسوم رقم 99 الذي دفعت منه الدولة 200 مليون دولار من أصل 500 مليون دولار، ومناقصات وأشغال يقوم بها المقاولون حالياً تقدّر بـ 50 مليون دولار. وهو ما يرفع مجمل ديون القطاع على الدولة الى ٤٠٠ مليون دولار”.
المقاولون يقاطعون
هذا الواقع دفع بالنقابة الى اتخاذ قرار برفض الاشتراك بأيّ مناقصة جديدة تصدر عن الدولة اللبنانية، الى حين تسديد المستحقات القديمة، وذلك للحفاظ على ما تبقى من مقوّمات الصمود والاستمرار في هذا القطاع. وبحسب الحلو فإن ” المقاول لا يملك ورقة ضغط على الدولة لإسترداد حقّه، وبالتالي يكون الامتناع عن تنفيذ التعهدات الجديدة هو الطريقة الوحيدة لحمايته من تراكم الخسائر وزيادة ديونه على المصارف والجهات المقرضة. ويضيف “فليدفعوا لنا على الأقلّ الفوائد التي تتراكم عن القروض”.
“سيدر” أو البطالة
في ظل هذا الواقع يترقّب المقاولون بشغف ما سيحمله “سيدر”، من أموال ومشاريع في الأشغال والإنشاءات والبنى التحتية. “سيدر أو البطالة”، يلخصها حلو، للدلالة على أهمية البدء بتنفيذ مشاريع مؤتمر سيدر، التي تبدو الحلّ الوحيد لاستعادة قطاع المقاولات نشاطه وحيويته، وإلا فإن مصير الكثير من الشركات سيكون الإقفال وتسريح الموظفين، خصوصاً مع السنوات العجاف التي ينتظرها لبنان لغاية العام 2023.
على الرغم من كل الصعاب والظروف الاستثنائية التي تواجه قطاع المقاولات، ما زال المقاولون يحافظون على صلابة بارزة ورغبة في التحدي لحماية هذا القطاع، الذي يزخر بالكفاءات ويحمل الكثير من الإنجازات في لبنان والعالم. “الاستسلام ليس وارداً في معجمنا، ونحن نعمل على مدار الساعة لتأمين الحلول المنصفة لقطاع المقاولات، خصوصاً لجهة تحصيل الديون من مؤسّسات الدولة”، يقول حلو، مضيفاً أن “النقابة عرضت مجموعة من الحلول على المسؤولين سواء بتقسيط الدين أو استبداله بسندات خزينة أو بإصدار مشاريع قوانين تحفظ حقّ المقاول”. ولحين ردّ الدولة، يبقى قطاع المقاولات معلّقاً على مجموعة من الأزمات يبدو أسهلها صعب.