كشفت تقييمات حديثة عن محافظة نشاط صفقات الاكتتاب على زخمه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال الربع الثاني من العام الجاري، وهو عكس المسار الذي تشهده العديد من أسواق العالم بسبب ضبابية الآفاق الاقتصادية.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن تلك الصفقات حققت عائدات بين أبريل ويونيو الماضيين بقيمة 1.8 مليار دولار تم جمعها من 13 طرح عام أوليّ بارتفاع قدره 44 في المئة بعدد الصفقات.
وشجعت الإجراءات التي اتخذتها حكومات المنطقة وخاصة الخليجية بشأن تعزيز نشاط بورصاتها، التي تشهد طفرة غير مسبوقة، كبار المستثمرين العالميين على استكشاف الفرص الممكن الاستفادة منها في هذا المجال.
وجعلت أبوظبي ودبي والسعودية ومصر وبدرجة أقل سلطنة عمان والبحرين أسواقها المالية أكثر جاذبية مع المضي في سياسة إدراج الشركات المملوكة للدولة.
وتتواصل الاكتتابات العامة الأولية في منطقة الخليج العربي الغنية بالطاقة مسارها الصعودي منذ بداية العام الجاري، مدعومة بارتفاع أسعار النفط والمستثمرين الأثرياء.
ومع ذلك رجّح محللون ألا يكون 2022 نقطة نهاية محن سوق الاكتتابات، إذ لا يرون تعافيا سريعا في الأفق، وقد تواجه عاما آخر مضطربا بعدما دفعت الحرب في أوكرانيا إلى انحسار حجم الطروحات التي وصلت إلى أدنى مستوى منذ الأزمة المالية قبل 15 عاما.
وأوضحت شركة الاستشارات العامة إرنست ويونغ حول نشاط الاكتتابات العامة بالمنطقة في تقرير أصدرته الثلاثاء أن النمو في عدد الصفقات خلال الربع الثاني جاء مدفوعاً بشكل خاص بنشاط أسواق الإمارات والسعودية.
وذكر التقرير أن سوق أبوظبي للأوراق المالية سجل أكبر اكتتاب عام خلال الربع الثاني من العام، إذ جمع اكتتاب شركة أدنوك للإمداد والخدمات نحو 769.5 مليون دولار.
وشهد هذا الاكتتاب أضخم حجم طلب على مستوى العالم في صفقة واحدة حتى الآن في عام 2023، حيث تمت تغطية الاكتتاب بنحو 163 مرة، في أعلى معدل تغطية لاكتتاب عام في دولة الإمارات.
وبحسب التقرير، كانت شركة الأنصاري للخدمات المالية أول شركة عائلية في دولة الإمارات يتم إدراجها في سوق دبي المالي، مع عائدات بقيمة 210.4 مليون دولار.
وأشار التقرير إلى هيمنة السعودية على نشاط الاكتتابات العامة في المنطقة من حيث عدد الصفقات في الربع الثاني، مسجلةً عمليات إدراج في سوقها الرئيسية “تداول” جمعت 800 مليون دولار، و7 اكتتابات في نمو السوق الموازية بعائدات بلغت 100 مليون دولار.
ولدى الكثيرين من محللي أسواق المال قناعة بأن المنطقة تعد نقطة مضيئة في مشهد كئيب بمجال طروحات الأسهم، والتي تقترب من أدنى مستوياتها منذ عقدين على مستوى العالم، في ظل تأثر إقبال المستثمرين بمخاوف الركود.
ويرون أن طرح الشركات الحكومية الناجحة أمر مرغوب به لتنويع العملية الاقتصادية، ولزيادة الرقابة المطلوبة على تلك الكيانات، ويدعم أداءها التشغيلي، ومن ناحية أخرى تسرّع من عملية نضج الأسواق المالية في دول المنطقة.
وأكد براد واتسون رئيس قطاع الصفقات والإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إرنست ويونغ أن “الربع الثاني من عام 2023 لم يشهد تراجعاً في نشاط الاكتتابات العامة الأولية في المنطقة على غرار ما يحدث على مستوى العالم”.
ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية عن واتسون قوله إن “الإمارات والسعودية تواصلان قيادة نشاط السوق في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا من حيث عدد وقيمة الاكتتابات العامة”.
وأضاف “كمثال واحد على هذا الأمر، فإن إدراج الشركة الثانية في محفظة أدنوك في عام 2023 فاق جميع الأسواق العالمية من حيث حجم الطلب”.
وتابع “لا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتمتع باقتصادات قوية مدعومة بمستوى ديون منخفض، لتظل هذه المنطقة بيئة جذابة للمزيد من عمليات الإدراج”.
وبشكل عام، سجلت سوق الاكتتابات الأولية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في النصف الأول من هذا العام ما مجموعه 23 اكتتابا، جميعها في دول الخليج العربي، وبإجمالي عائدات بلغت 5.2 مليار دولار.
ووفق التقرير، لا تزال منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا تشهد انكماشاً كبيراً في عائدات الاكتتابات، فيما تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجموعة اكتتابات واعدة خلال الفترة المتبقية من العام، لا سيما في السعودية.
وأعلنت 23 شركة سعودية عن خططها للإدراج في سوق “تداول” في النصف الثاني من العام. وعلاوة على ذلك، تعتزم شركتان في مصر إدراج أسهمها للتداول، مما يشير إلى وجود خط قوي للاكتتابات الأولية في الفترة المتبقية من العام.
وقال غريغوري هيوز رئيس خدمات الاكتتابات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى إرنست ويونغ “لا يزال نشاط الاكتتابات العامة المرتقبة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال النصف الثاني من عام 2023 وعام 2024 في حالة جيدة للغاية”.
وأضاف “مع الإعلان عن العديد من الاكتتابات الأولية في السعودية، فضلا عن النشاط الحالي في جميع أنحاء المنطقة، فإن هناك المزيد من الصفقات المقررة في الإمارات وسلطنة عُمان وقطر والكويت”.
واعتبر محللون أن نجاح اكتتاب شركة النفط السعودية أرامكو في البورصة المحلية نهاية عام 2019 ألهم شركات أخرى مملوكة للحكومات سواء في منطقة الخليج أو مصر أو المغرب للإقدام على مثل هكذا خطوة.
وشهدت أسواق المنطقة إدراج شركات من قطاع المنتجات الاستهلاكية غير الرئيسية والتكنولوجيا والمواد الأساسية والرعاية الصحية وقطاع الطاقة.
وعانت البورصات الخليجية من شح الطروحات الأولية في العامين الماضين بسبب الأزمة الصحية وسط التوترات العالمية والمخاوف بشأن الركود الاقتصادي، رغم استعداد العديد من الشركات الخليجية لإدراج حصص من أسهمها.
ويقول خبراء إن الأمر أبعد من مجرد محاولة من حكومات المنطقة لتوفير المزيد من السيولة، إذ يجب النظر إليه على اعتباره توجها إستراتيجيا للاقتصادات الناشئة يدعم خطط التنمية المستدامة.