أظهرت أزمة كورونا مكامن جديدة لاقتصاديات الاستثمار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكشفت عن جاذبيتها لرؤوس الأموال العابرة للحدود والتي تستهدف المناطق عالية النمو. ورصدت مؤشرات حركة الاستثمارات الأجنبية استهدافها لعدد من دول المنطقة بوصفها ملاذا آمنا للاستثمار، فضلا عن قدرتها على النفاذ لمختلف الأسواق الدولية دون رسوم جمركية.
كشف تداعيات كورونا عن ملامح اقتصادية جديدة للمنطقة العربية، وأنها لا تزال ملاذا آمنا للاستثمارات ورؤوس الأموال الباحثة عن النمو عالميا، على الرغم من الصراعات التي تموج بها.
ورصدت مؤشرات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات (ضمان) ملامح تلك الظاهرة، وأشارت إلى أن الاستثمارات الأجنبية تتركز بالأساس في كل من الإمارات والسعودية ومصر.
واستثمرت شركات من 14 دولة في المنطقة العربية خلال الربع الأول من العام الحالي، وشملت قائمة أهم 10 دول مستثمرة في المنطقة كلاّ من اليابان والولايات المتحدة وفرنسا والفلبين وبلجيكا والسعودية وألمانيا والبحرين والصين والهند. وتشير البيانات الرسمية إلى أن حصة هذه الشركات مجتمعة بلغت نحو 79.5 في المئة من حجم الاستثمارات التي تقصد دول المنطقة العربية.
وتتواكب الفورات الاستثمارية للشركات الأجنبية في دول المنطقة العربية، على الرغم من ترجيحات بتراجع النفقات الرأسمالية لأهم 5 آلاف شركة متعددة الجنسيات عالميا.
وتوقعت المؤسسة أن تتراجع معدلات تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة العربية بنسبة تتراوح بين 21 في المئة في حدها الأدنى و51 في المئة في حدها الأقصى خلال العام الجاري.
ورغم تباطؤ معدلات التدفق الاستثماري عالميا، فإن المنطقة العربية باتت وجهة رئيسية لرؤوس الأموال نتيجة فورتها الاستهلاكية، وحاجاتها الماسة لتنمية عدد كبير من قطاعاتها التي لا تزال بكرا تعج بفرص استثمارية هائلة.
وتعد قطاعات التعليم والصحة والصناعات الغذائية والنفط والغاز والتعدين من أهم المقاصد الاستثمارية، فضلا عن قطاعات رأس المال المخاطر، التي تهتم باستخدام التكنولوجيا في رقمنة المعاملات والخدمات.
وتراجع عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة في الدول العربية إلى 185 مشروعا في الربع الأول من العام الحالي، بانخفاض معدله 30 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، بسبب الجائحة.
لكن سمة التباطؤ الاستثماري أضحت عالمية في زمن كوفيد – 19، لكنها لا تزال في تدفق بمختلف دول المنطقة، مقارنة بتوقفها تماما في عدد المقاصد الاستثمارية عالميا، الأمر الذي يزيد فرص الاستثمار في دول المنطقة العربية.
وتقصد رؤوس أموال الشركات متعددة الجنسيات المنطقة العربية لسد فجوات استهلاكية بها، أو عبر التصنيع بهدف إعادة التصدير لمقاصد وأسواق أخرى تتمتع باتفاقيات تفضيلية مع دول المنطقة.
وكشفت الجائحة عن بعد جديد يعزز جاذبية المنطقة العربية استثماريا، فيما بلغ حجم الاستثمارات الصادرة من دول المنطقة نحو 4.9 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الحالي.
ويزيد هذا الاتجاه من فرص جذب الاستثمارات للمنطقة عبر تشجيع الاستثمارات العربية المصدرة للمقاصد الخارجية على تعزيز فرص التعاون المشترك في دول أخرى بالمنطقة أو في الدول ذاتها المصدرة للاستثمارات.
وشملت الوجهات الخمس الأولى للاستثمارات الخليجية أوزبكستان وأستراليا وجنوب أفريقيا والسعودية ومصر، وهو ما يكشف عن مكامن استثمارية جديدة للدول في ظل الجائحة.
ووفقا لمؤسسة ضمان، تصدرت السعودية قائمة أكبر الدول الخليجية المستثمرة في الخارج بحصة بلغت 49 في المئة، تلتها الإمارات بحصة قدرها 38 في المئة ثم البحرين بحوالي 10 في المئة، ثم الكويت بنحو واحد في المئة.
وتشير مؤشرات رصد حركة رؤوس الأموال العربية والاستثمارات العربية المصدرة إلى الخارج إلى أن حصتي الإمارات والبحرين من مجمل الاستثمارات في تصاعد مقارنة مع الربع الأول من العام 2019.
وتتركز الاستثمارات الخليجية الخارجية في خمسة قطاعات أساسية هي الفحم والنفط والغاز، والطاقة المتجددة، والخدمات المالية، والنقل والتخزين، والأغذية والمشروبات.
ووصل عدد المشروعات الخليجية المصدرة للأسواق الخارجية نحو 70 مشروعا، بلغت استثماراتها 4.9 مليار جنيه (نحو 308 ملايين دولار)، بنسبة مشاركة مع أجانب بنحو 80 في المئة من مجمل التكلفة الاستثمارية للمشاريع.
ومن بين 37 قطاعا توزعت عليها مشاريع الاستثمار الأجنبي الواردة إلى الدول العربية خلال الربع الأول من العام الحالي، حافظت قطاعات الفحم والنفط والغاز والمواد الكيميائية والطاقة المتجددة والاتصالات على صدارة القطاعات المستقبلة للاستثمارات.
واستحوذت هذه القطاعات مجتمعة على 58.5 في المئة من إجمالي رؤوس الأموال الأجنبية التي تقصد دول المنطقة العربية باستثمارات تصل إلى نحو 9.5 مليار دولار.
ويؤكد أمين عام اتحاد المستثمرين العرب جمال بيومي، أن المنطقة العربية مؤهلة لتكون مركزا لجذب الاستثمارات، حيث تعاني الشركات عابرة القارات من تباطؤ من معدلات نمو أسواقها الرئيسية خاصة المنطقة الأوروبية، التي تشهد أزمات اقتصادية، دفعت أسواقها للتباطؤ بشكل ملموس.
وقال بيومي في تصريح لـ”العرب”، إن “الاستثمارات عابرة الحدود تبحث عن مناطق سريعة النمو عالية الاستهلاك، وهذه المقومات تتوافر في المنطقة العربية، فضلا عن تمتع المنتجات المصنعة على أرضها للنفاذ إلى أسواق متعددة دون أي رسوم جمركية”.
ورصدت حركة الاستثمار الأجنبي المباشر العام الماضي تصدر الإمارات المرتبة الأولى بالمنطقة في جذب الاستثمارات الدولية، فيما استقبلت أكبر عدد للمشاريع في المنطقة بنحو 1814 مشروعا بحصة تصل إلى نحو 41 في المئة. وتأتي السعودية في المركز الثاني بنحو 513 مشروعا بنسبة 12 في المئة، وحلت مصر ثالثا بنحو 476 مشروعا بنسبة 11 في المئة.
وتعد الإمارات أهم مستثمر في المنطقة العربية، من حيث تكلفة المشاريع والتي بلغت نحو 51.2 مليار دولار العام الماضي تلتها الصين بنحو 41.9 مليار دولار ثم روسيا 39.3 مليار دولار، بعد توقيع محطة الضبعة النووية لإنتاج الكهرباء في مصر والتي تصل استثماراتها إلى حوالي 25 مليار دولار.
وأكد محمد سامح رئيس الاتحاد العربي للاستثمار المباشر السابق، أن المنطقة العربية أصبحت مركزا مهما في سوق صفقات الاندماج والاستحواذ، بسبب تسارع وتيرة نمو الاستثمارات فيها لحاجتها الماسة لتوسيع نطاق قطاعات اقتصادها.
وكشف لـ”العرب” عن لقاءات مرتقبة بين مستثمرين من المنطقة العربية وأوروبا والصين تستهدف تأسيس مشروعات مشتركة في مختلف الدول العربية، ودخلت هذه المباحثات مراحل متقدمة سيتم الكشف عنها الفترة المقبلة.