يفترض أن ينطلق بجدية مسار مناقشة الموازنة يوم غد الثلاثاء في قصر بعبدافي جلسة سيعقدها مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون. وأيا تكن التسميات التي تطلق بين الفينة والأخرى على الموازنة المرتقبة، فإن العمل على إقرارها مرفقة بتدابير تقشفية يهدف بشكل أساس الى تخفيض العجز من 11.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 9 في المئة انسجاماً مع التزام لبنان الرسمي تنفيذ تعهداته بخفض العجز المالي وفق مقررات مؤتمر “سيدر1”.
وبمعزل عن التخفيضات والاجراءات التي سيتم الاتفاق عليها لخفض العجز، والتي ستطال بشكل مباشر الطبقة المتوسطة بفئاتها المختلفة، فإن إقرار قطع الحساب يفترض أن يسبق إقرار مشروع الموازنة التي يبدو أنها ستكون رمزية وأمر واقع، خصوصاً وأن الدستور ينص على أن تحال إلى المجلس النيابي في شهر تشرين الأول الماضي.
لقد أنجزت وزارة المال قطع الحساب من العام 1993 الى العام 2017، والمشروع لا يزال قيد التدقيق لدى ديوان المحاسبة، علما ان ما رشح من معلومات، يشير الى ان وزارة المال انجزت مشروع قطع حساب العام 2018 .
كثيرة ومتعددة الأسئلة والتساؤلات حيال عدم الالتزام بتقديم الحسابات المالية المدققة وقطوعات الحساب ضمن المهلة المحددة بموجب المادة 65 من قانون موازنة العام 2017 التي تقول إنه على الحكومة إنجاز عملية الإنتاج لجميع الحسابات المالية المدققة منذ عام 1993 وحتى عام 2015 ضمناً، خلال فترة لا تتعدى السنة، اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون وإحالة مشاريع قوانين قطع الحساب عن السنوات التي لم تقر فيها إلى المجلس النيابي.
وعليه، يأمل الخبراء الدستوريون أن تنجز قطوعات الحساب لغاية العام 2018 سريعاً وإلا سنكون مجدداً امام مشكلة دستورية، فإقرار الموازنة من دون قطوعات الحساب للعام 2017 سيترك تداعيات سلبية على المالية العامّة وسيخلق ذرائع لتغطية فساد كان السبب الرئيسي في وصول الأمور على الصعيد المالي والاقتصادي الى ما وصلت اليه من تدهور وتخبط وانهيار.
بالنسبة للخبراء الدستوريين، ليس من استحالة لإنجاز قطوعات الحساب إذا جرى فصلها عن الاشتباك السياسي، فهذا الأمر واجب دستوري، فضلاً عن أنه أحد مسببات استعادة الثقة تجاه المجتمع الدولي، علما أن هناك إصراراً من أعلى المراجع الرسمية لإنجازها بهدف تحديد مكامن الهدر تمهيداً لإجراء الاصلاح المالي المنشود ربطا بالواردات والانفاق، وتحقيق الشفافية في المالية العامة وحساباتها.
واذا كانت المادة 87 من الدستور تنص على أن حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة، فإن ما يسرب من معلومات يوحي أن البعض يتذرع بالوقت الضاغط للبت بقطع حساب العام 2017 دون سواه من القطوعات، على قاعدة أن ديوان المحاسبة لم ينجزها لاعتبارات تتصل بامكاناته المحدودة، وكل ذلك بهدف طمس الحقائق المالية وعدم كشفها أمام الرأي العام حفاظاً على مقتضيات التسويات السياسية القائمة.
وبعيدا عن الاجتهادات التي قد يعكف المعنيون على نبشها أو ابتداعها على سبيل الاستثناء لضرورات مؤتمرات دعم لبنان، لجهة أن الدستور يفرض أن ترفق موازنة 2019 فقط بقطع حساب العام 2017 ، وأن إقرار قطوعات الحساب السابقة تهدف إلى إعادة تكوين الحسابات المالية، بيد أن الخبراء الدستوريين في المقابل يعتبرون إن إقرار موازنة 2019 مقرونة بقطع حساب العام 2017 فقط ومن دون قطوعات الحساب المطلوب البت بها قد يعرضها للطعن أمام مجلس الدستوري.
وفي هذا السياق، فإن عدم انجاز قطع حسابات الاعوام الممتدة من 1993 الى العام 2018 بسبب حجمها الكبير وعدم قدرة ديوان المحاسبة لغاية الان على إتمام التدقيق بها ولأن الرغبة هي في الوصول الى رأي نهائي من ديوان المحاسبة وعدم الاكتفاء بالتحفظ كما كان يحصل سابقا لغاية العام 2005، قد يكون هناك من ضرورة لاعادة الفتوى والصيغة التي عمل بها في العام 2017 وهي تضمينها التزام الحكومة ومجلس النواب بانجاز قطع الحساب خلال مهلة اضافية واقرار موازنة العام 2019 من دون قطع حساب السنوات المنصرمة مع الالتزام بانجاز قطعوعات الحساب الممتدة من العام 1993 الى العام 2018 خلال مهلة محددة حتى لا يتم الوقوع بالانفاق وتحصيل الايرادات من دون موازنة، يقول الخبير الدستوري عادل يمين لـ”البناء”؛ علما انه في مثل هذه الحالة عندما تلتزم الحكومة ومجلس النواب باقرار قطوعات الحساب، رد المجلس الدستوري الطعن الذي كان قدم سابقا من قبل من النائب سامي الجميل، وبالتالي فان حالة الضرورة هنا تبرر اقرار الموازنة ونشرها من دون قطوعات حساب منجزة.