تلقّيت نهاية الأُسبوع الماضي، شكاوى من زبائن كانوا اشترَوا تذاكر سفر على متن “خطوط طيران الشّرق الأَوسط”، قبل تفشّي وباء كورونا، وقد كان ما كان… من إِقفالٍ للبلاد والمطار، وقد طرأت مُتغيّراتٌ على صعيد العالم بأَسره، ولبنان ضمنًا!…
أَحد هؤُلاء، اشتكى من “تسلُّطٍ وتعسُّفٍ” تمارسهُما شركة الطّيران الوطنيّة، منذ انتشار وباء “كورونا”، وحتّى الآن… وكشف أَنّه اشترى تذكرة السّفر، من “الميدل إيست” إلى اسطنبول، منذُ شُباط الماضي. وكان مِن المُقرّر أَن يُسافر في 20 نيسان 2020. غير أَنّ البلاد قد دخلت في إِجراءات الحدّ من انتشار “فيروس كورونا”، ولإقفال مطار رفيق الحريري ضمنًا…
لقد كانت قيمة صرف الدّولار 2000 ليرة لبنانيّة حينها، فدفع صاحبنا مبلغًا لحجز تذكرة السّفر قيمتها آنذاك 375،000 ليرة لبنانيّة. وكانت “الميدل إيست” حينها، ما زالت تقبل بالدّفع بالعملة الوطنيّة، خلافًا لما هو الأَمر عليه الآن… غير أَنّ ذلك موضوعٌ آخر!.
وحين عادت الحياة إِلى المطار، قصد هذا الشّخص مركز بيع تذاكر “الميدل إِيست” في جلّ الدّيب، لتسوية وضعه، فعلم أَنّ أَمامه خيارَين اثنَين، لا ثالث لهُما: إِمّا أَن يُسافر إِلى اسطنبول في تمّوز، ومن دون غرامات… أَو أَن “يُلغي” بطاقة السّفر، فيستردّ ماله محسومةً منه الضّريبة (سرفيس تاكس)، تلك الضّريبة الّتي قيل لنا إِنّها مُعتَمدة في مثل هكذا حالات استثنائيّة، في العالم بأسره…
المُهمّ أَنّ مبلغ 45،000 قد حُسم من سعر تذكرة السّفر، وقد بات السّعر بعد الحسم 330،000 ليرة لبنانيّة فقط لا غير!.
قبِلَ صديقنا بالوضع، وطلب تحصيل ما تبقّى له في ذمّة الشّركة، فكان الجواب هذه المرّة أَيضًا غير مُطمئِنٍ:
– عليك بالانتظار، (وكأنّه مبلغٌ مرقومٌ يُحسب له الحساب)، فيما هو في الواقع، بات أَدنى قيمةً من 41،25 دولارًا، على اعتبار أَنّ سعر صرف الدّولار هو 8،000 ليرة لبنانيّة (في السّوق السّوداء).
وحتّى السّاعة، وبعد مرور نيّفٍ و40 يومًا، لم يحصّل صاحبنا حقّه بعد، مِن شركة الـ “ميدل إيست”.
ما أَشبه هذه الطّريقة في التّعاطي مع الزّبائن، بما يحصُل يوميًّا في المصارف اللّبنانيّة، من عدم تمكُّن المودعين – أَصحاب الحقوق، مِن سحب أَموالهم الموضوعة في المصرف، فيُضطرّون إلى القبول بالقليل من الأَموال والحقوق المودعة في المصرف. ولا شكّ أَنّ “الميدل إيست” قد استوحت هذه الطّريقة في التّعامل مع الزّبائن من المصارف عندنا!…
وثمّة وجه شبهٍ آخر، بين شركة “طيران الشّرق الأَوسط”، والمصارف العاملة في لبنان، قوامه تلميع الصُّورة، وإِعداد البيانات غير المُطابقة للواقع… فحاكميّة مصرف لبنان، كما والمسؤولون المصرفيّون، لطالما كانوا “يُطمئنوننا ليل – نهارٍ، في شأْن ثبات سعر صرف اللّيرة اللّبنانيّة ومتانتها… إِلى أَن نخرت تلك البيانات الخدّاعة عظام عملتنا الوطنيّة فتهالكت…
السّياسة نفسها اعتمدتها “الميدل إِيست”، تلك الشّركة الوطنيّة الّتي تخلّت باكرًا عن اللّيرة اللّبنانيّة، وما عادت تقبل بها وسيلة دفعٍ لتذاكر السّفر، بل انّها أَظهرت وفاءها المطلق لعُملة “العمّ سام”، وحتّى قبل صياح الدّيك!.
وإِذا كانت أَسهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المُتهاوية تحت ثقل الأَموال “المُتبخَّرة” من المصارف، وحكايا التَّلاعب بالمال العام، والمسؤوليَّة عن الانهيار الهستيريّ للعُملة الوطنيَّة، وترحيل العملة الخضراء بالملايين من لبنان، وسوء الإِدارة، والغمز بقوَّةٍ من قناة الفساد الوظيفيِّ، ومن باب مصرف لبنان الواسع… ستبقى مجالاً للتَّبايُنات السِّياسيَّة، وإِنْ كان ملفُّ الحاكم من الحجم الثَّقيل، وبالتَّالي يفرض على اللاعبين السِّياسيِّين التَّعاطي معه بالـ “سنتات والليرات”، لا بل بميزان الذَّهب، غير أنّ ملفّ “الميدل إيست” ليس “أَشطف زومًا”، بل ثمّة تلازمٌ في “المصير والمسار” بين الفسادَين!.