خفّض صندوق النقد الدولي النمو المتوقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هذا العام بمقدار 0.5 نقطة مئوية إلى 2.9 في المائة من 3.4 في المائة في توقعات أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وأشار إلى أن هناك عوامل إضافية تضغط على النمو في المنطقة، أبرزها الصراع في غزة، وتخفيضات إنتاج النفط، ومواصلة السياسات الصارمة اللازمة في الكثير من الاقتصادات.
ورأى صندوق النقد الدولي في تقريره الذي حمل عنوان «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: الصراعات تُعقّد التحديات الاقتصادية»، أنه مع تلاشي تأثير هذه العوامل تدريجياً واستمرار النمو القوي غير النفطي في دعم النشاط في البلدان المصدرة للنفط، يُتوقع أن يرتفع النمو إلى 4.2 في المائة في عام 2025.
وأشار التقرير إلى أن الصراع في غزة وإسرائيل يشكّل صدمة أخرى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويمثل ضربة أخرى للاقتصادات التي تواجه تحديات قائمة وغموضاً متزايداً.
كما توقع أن يؤدي تراجع آفاق النمو في المنطقة إلى تفاقم التباطؤ الاقتصادي، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى الصراع في السودان. بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات في ليبيا والزلزال في المغرب، التي كانت لها آثار مدمرة على المستويين الإنساني والمادي.
كذلك من المتوقع أن يظل متوسط النمو في الدول منخفضة الدخل في المنطقة سالباً هذا العام، ما يواصل مسار التباطؤ الاقتصادي. ويعد الانخفاض الإقليمي واسع النطاق للتضخم تطوراً إيجابياً، إذ يستمر التضخم في الانخفاض في معظم الاقتصادات مع بقاء السياسة النقدية صارمة، بما يتماشى تقريباً مع التطورات العالمية. ويُتوقع أن يبلغ متوسط التضخم الرئيسي عبر مصدري النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 8.7 في المائة في عام 2024 و7.9 في المائة في عام 2025.
ومن المقرر أن يظل التضخم مرتفعاً عبر الأسواق الناشئة والمتوسطة الدخل عند 25.6 في المائة في عام 2024 وعبر البلدان منخفضة الدخل عند 69.9 في المائة (خصوصاً في مصر والسودان واليمن)، وفي المقابل، يظل انعدام الأمن الغذائي منتشراً في كثير من البلدان منخفضة الدخل (جيبوتي وموريتانيا والصومال والسودان واليمن).
الصراع يضرب السياحة
يشير تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن الصراع في غزة أثّر سلباً في السياحة في الاقتصادات المجاورة. وعلى الرغم من عودة مؤشرات الفنادق والرحلات الجوية للمنطقة إلى مستويات 2019 قبل شهر أكتوبر، فإن اتجاهات معدلات إشغال غرف الفنادق بعد اندلاع الصراع تدهورت بشكل حاد في لبنان والأردن، مقارنةً بالفترة المقابلة من العام السابق. ونظراً لأن السياحة تعد شريان حياة في كثير من اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -حيث تمثل ما بين 2 و20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وما بين 5 و50 في المائة من صادرات السلع والخدمات قبل الجائحة- فهي أيضاً ناقل مهم للصدمات، ومن شأن هذه التطورات السلبية بالضرورة أن تكبح النمو، وفق التقرير.
زخم النمو غير النفطي
ولفت صندوق النقد الدولي إلى أنه حتى مع الصدمة السلبية من الصراع، يظل زخم النمو غير النفطي قوياً في دول مجلس التعاون الخليجي، منوهاً بالإصلاحات الهيكلية التي يقوم بها أعضاء مجلس التعاون الخليجي والتي تدعم تنويع الاقتصاد، بينما يسهم الطلب المحلي المتنامي وتدفقات رأس المال أيضاً في النمو. كذلك ظلت الفوائض في الحساب الجاري عند مستويات مريحة في عام 2023 بعد أن وصلت إلى مستويات تاريخية مرتفعة في عام 2022.
ويضيف: «في معظم الدول المصدرة للنفط، يظل النمو غير النفطي قوياً، لكنّ تخفيضات إنتاج النفط الطوعية الإضافية تُلقي بظلالها على النمو الكلي»، لافتاً إلى أن الزخم الإصلاحي لبعض الدول المصدرة للنفط، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، سمحت بمواصلة تنويع قطاعاتها غير النفطية. و«مع ذلك، جرى خفض معدل نمو دول مجلس التعاون الخليجي بشكل ملحوظ إلى 0.5 في المائة في عام 2023 مما يعكس تخفيضات إنتاج النفط، قبل الارتفاع المعتدل إلى 2.7 في المائة في عام 2024 حيث يتلاشى تدريجياً العبء الناجم عن تخفيضات إنتاج النفط». ويشير هنا إلى أنه جرى تعديل النمو في السعودية إلى -1.1 في المائة في 2023 و2.7 في المائة في 2024.
اضطرابات في التجارة العالمية
ونبه صندوق النقد الدولي إلى أن الوضع الأمني المتوتر في البحر الأحمر زاد من المخاوف بشأن تأثير الصراع في تكاليف التجارة والشحن، إذ أعلن كثير من الشركات الكبرى تحويل البضائع عبر طرق شحن بديلة، مع ما يترتب على ذلك من آثار محتملة على سلاسل التوريد العالمية وتجارة السلع.
وأشار الصندوق إلى أنه حتى 21 يناير (كانون الثاني) 2024، «انخفض إجمالي حجم الشحن عبر قناة السويس خلال 10 أيام بنسبة تقترب من 50 في المائة مقارنةً بالعام السابق. بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت تكاليف الشحن للطرق بين أوروبا – البحر الأبيض المتوسط والصين بأكثر من 400 في المائة منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، مما يعكس على الأرجح مجموعة من زيادة تكاليف التأمين وسط مخاطر أمنية عالية وتكاليف نقل أعلى مرتبطة بطرق الشحن الأطول».
الصراع يؤثر سلباً في الاقتصادات الإقليمية
ويقدر صندوق النقد الدولي أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الضفة الغربية وقطاع غزة قد انكمش إلى نحو -6 في المائة في 2023، وأن يكون التضخم قد ارتفع إلى أكثر من 15 في المائة على أساس سنوي في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2023.
وفي مصر، يشير إلى أن قطاع السياحة تأثر حتى الآن بشكل أقل حدة مقارنةً ببعض الاقتصادات الأخرى (الأردن، ولبنان). ومع ذلك، تُظهر بيانات السياحة عالية التردد علامات على تدهور محتمل. ويضيف: «مع توقف كثير من شركات الشحن عن العبور عبر البحر الأحمر، قد تتأثر تدفقات العملات الأجنبية في مصر سلباً، حيث تعد عائدات قناة السويس مصدراً مهماً للعملات الأجنبية لمصر. ويُتوقع أن ينخفض النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي من 3.8 في المائة في عام 2023 إلى 3 في المائة في عام 2024».
وفي الأردن، وبالنظر إلى الأساسيات الإيجابية الكامنة، فإن الاقتصاد ينمو، وإن كان بوتيرة معتدلة. ومع ذلك، كان للصراع تأثير سلبي في حركة السياحة والإنفاق الاستهلاكي. ويُتوقع أن يتراجع النمو في عامي 2023 و2024 عند نحو 2.6 في المائة في كلا العامين، مقارنةً بالتوقعات السابقة التي تقترب من 3 في المائة نمواً في عام 2024.
وفي لبنان، يعمق الصراع التحديات المعقدة. ومن المتوقع أن يظل قطاع السياحة، بدعم من الجالية الكبيرة، ضعيفاً. علاوة على ذلك، يتأثر الإنتاج الزراعي أيضاً سلباً، إذ يتركز في جنوب البلاد الذي يتأثر مباشرةً بالصراع. وبالتالي، من المتوقع أن يكون النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي قد انكمش أكثر في عام 2023، قبل أن ينتعش قليلاً في عام 2024، بينما يتسع عجز الحساب الجاري.
آفاق النمو تظل ضبابية
«يواجه الكثير من الأسواق الناشئة والنامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عدداً من الرياح المعاكسة القائمة، بما في ذلك العجوزات المرتفعة، وضغوط سعر الصرف والفائدة، وصعوبة الوصول إلى التمويل الخارجي»، حسب الصندوق. على سبيل المثال، في تونس، من المتوقع أن تظل احتياجات التمويل المالي كبيرة في ظل غياب تقدم قوي في الإصلاحات.
أما الاستثناء فهو المغرب، إذ يُتوقع أن يرتفع النمو إلى نحو 3 في المائة في عام 2023 -مما يعكس عائدات السياحة القوية وانتعاش الطلب المحلي- واستمر التضخم في انخفاضه التدريجي. ومن المتوقع أن يستمر هذا الزخم في عام 2024 بافتراض موسم زراعي منتظم.
في المقابل، فإن آفاق النمو في البلدان منخفضة الدخل فهي ليست مشجعة. إذ قيّدت قلة توافر العملات الأجنبية، وارتفاع التضخم، وضعف الإنتاج الزراعي النمو في بعض الاقتصادات (السودان، واليمن). وعلى وجه الخصوص، أدى الصراع في السودان إلى تكثيف الأزمة الإنسانية، وتوقف النشاط الاقتصادي في مساحات شاسعة من البلاد، مما أسهم في استمرار النمو السلبي، في المتوسط، بين البلدان منخفضة الدخل في عام 2024 بعد انكماش حاد في عام 2023.
وفي جيبوتي، يعتمد التعافي على التجارة مع إثيوبيا، ويتعرض الاقتصاد بشكل كبير للهجمات في البحر الأحمر، خصوصاً أن نشاط الموانئ هو المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي، في حين تتمتع موريتانيا بتوقعات قوية، مدعومة بإنتاج أعلى من المتوقع للذهب.