بدأ العد العكسي لنهاية ولاية مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان الحالي، تزامناً مع تصاعد حدّة الخلافات الواقعة بين أعضاء الجمعية، وبلوغها حد التهديد باستمرارية جميعة المصارف ككيان موحّد. فالشرخ الحاصل اليوم بات متشعّباً، ولا يقتصر على مواجهة صغار المصارف مع كبارها، إنما يتجاوزها إلى خلافات جوهرية تتعلّق بإدارة الأزمة، إلى جانب عراقيل طائفية تهدّد استمرار جمعية المصارف ووحدتها.
وما كانت العقبات الطائفية لتدخل إلى صفوف جمعية المصارف، ما لم يُفتح لها الباب من خلال خلافات عميقة حول العديد من الملفات المالية والمصرفية، وقعت خلال السنوات القليلة الماضية مع تفجّر الأزمة، وحؤول جمعية المصارف دون صوغ أي حلول، إضافة إلى استئثار كبار المصرفيين بقرار الجمعية وتجاهلهم مصلحة صغار المصارف وهم الأكثرية.
جمعية عمومية “مهدّدة”
تلتئم الجمعية العمومية غير العادية لجمعية المصارف يوم الأربعاء 10 تموز، وعلى جدول أعمالها بند وحيد، هو تعديل المادة 13 من نظام الجمعية، بهدف التمديد من جديد للمجلس الحالي برئاسة سليم صفير. وذلك تجنّباً للخوض في معركة انتخابية تدخل فيها الكثير من العوامل الخلافية بين أعضاء الجمعية، في وقت أكثر ما تحتاجه المصارف هو “توحيد القرارات أو تقاربها بالحد الأدنى فيما يخص الأزمة المصرفية وكيفية الخروج منها”، على ما يقول مصدر مصرفي ينتمي إلى أحد المصارف الكبرى، ويدخل على خط الوساطات بين المصرفيين للتوصل إلى حل توافقي، يجنّب الجمعية أي مواجهة أو تعطيل للجمعية العمومية المقبلة.
حسب نظام جمعية المصارف، فإن التئام الجمعية العمومية غير العادية يستلزم حضور ما لا يقل عن 75 في المئة من أعضائها. وكذلك اتخاذ أي قرار، كتعديل المادة 13 والتمديد للمجلس الحالي أو أي قرار آخر، فإنه يستلزم موافقة غالبية الأعضاء، أي 75 في المئة منهم. وهو أمر غير متاح حتى اللحظة. فالخلافات بين الأعضاء بدأت تتبلور على شاكلة جبهتين متمسّكتين بمواقفهما المتعارضة، إلى جانب قلة من الأعضاء يقفون موقفاً معتدلاً، وإلى جانب أي قرار توافقي بالجمعية مهما كان.
مجموعة من 15 مصرفاً
وحسب معلومات “المدن”، فإن 15 مصرفاً من المصارف الصغيرة شكّلت مجموعة متوافقة على مواجهة المجلس الحالي للجمعية. وإن كانت غير متوافقة فيما بينها على الكثير من القضايا المصرفية، إلا أنها تتفق على خوض معركة تمثيلها بعضوين في المجلس، أو عدم تأمين النصاب في الجمعية المقبلة، “وإلا فلنذهب إلى جمعية عمومية غير عادية أخرى أو إلى جمعية عمومية عادية يتم فيها انتخاب مجلس جديد”، يقول مصدر من أحد المصارف الصغرى.
مجموعة المصارف الصغيرة والمتوسطة، بلغ عدد أعضائها حتى اللحظة نحو 15 مصرفاً يتمسّكون بقرار رفض التمديد للمجلس الحالي، لأسباب عديدة، يوجزها المصدر بالقول، إن كل مصرف كبير “فاتح على حسابه” -على حد تعبيره- “ونحن كمصارف صغيرة لم يعد لدينا الثقة بأن بعض المصارف الكبرى تعمل لصالح عموم المصارف. ونحن متخوّفون جدّياً على مصير المصارف الصغيرة. لذلك، نصرّ اليوم على تمثيلنا في مجلس إدارة جمعية المصارف ومشاركتنا كافة القرارات”. ويذكّر المصدر بما سبق للرئيس الحالي للجمعية سليم صفير أن وعد به على مدار السنوات الماضية، بأن يكون هو صوت المصارف الصغيرة بالمجلس. وهو ما لم يترجمه على أرض الواقع.
وقد تولى صفير رئاسة جمعية المصارف في دورتين متتاليتين الأولى عام 2019 قبل اندلاع الأزمة المالية، والثانية عام 2021. ثم تم التمديد للمجلس استثنائياً عاماً واحداً ينتهي في شهر تموز الحالي. وحسب المصدر، فإن صفير كما باقي أعضاء مجلس إدارة الجمعية، وهم ممثلون عن كبرى المصارف، لم يعمل يوماً منذ عام 2019 لصالح المصارف الصغيرة التي وقع بعضها كـ”كبش محرقة”. والمصارف الصغيرة خائفة اليوم فعلياً على مصيرها، “من هنا لن تتراجع عن رغبتها بالمشاركة في القرارات المصرفية الصادرة عن الجمعية”.
وجزم أنه في حال إصرار ممثلي المصارف الكبيرة على تعديل نظام الجمعية من جديد، للتمديد للمجلس الحالي وعلى رأسه سليم صفير، فليتم التعديل على أساس تكبير مجلس الإدارة من 12 إلى 14 عضواً، وبدلاً من 6 أعضاء مسلمين و6 مسيحيين، فليصبحوا 7 مسلمين و7 مسيحيين.
تاريخ من الخلافات
فوز صفير في حزيران من العام 2019، وإن كان قد حصل قبل تفجّر الأزمة، غير أنه لم يعكس توافق المصارف آنذاك. إذ كانت المشاكل قد بدأت تدخل بين أعضاء الجمعية من دون خروجها إلى العلن. وتوافقت الغالبية حينها على تجنّب المعركة الانتخابية، التي قد تفضح الخلل المستجد داخل الجمعية. وفاز صفير المقرّب من التيار الوطني الحر بالتزكية حينها، كنوع من التسوية بين المصارف، بسبب إصراره وتسويقه لنفسه بأنه سيمثّل المصارف الصغيرة والمتوسطة بوجه كبرى المصارف وعناده على عدم الانسحاب لأي كان.
ولم تقف الخلافات عند حد الإنقسام على عملية التمثيل في مجلس إدارة الجمعية، بل امتدّت لتشمل كافة الملفات النقدية في السنوات القليلة الماضية، بدءاً من لقاء بعض المصرفيين مع وفد صندوق النقد الدولي في وقت سابق، وانفتاحهم على سلّة حلول تضمن لهم استمرارية وجودهم في السوق اللبنانية، مروراً بالاختلاف بالمواقف من مسألة التجاوب مع القضاء اللبناني، لاسيما النيابة العامّة الاستئنافية، ووصولاً إلى استعداد المصارف للمشاركة في أي خطة لإعادة الهيكلة وغيرها.
أما خلافات اليوم، فيُضاف إليها العامل الطائفي. فحسب مصدر مصرفي آخر، يَصعب على المصارف الصغيرة التي شكّلت ما يشبه المجموعة وعددها 15 مصرفاً أن تتوافق على إسمين لتمثيلها في مجلس إدارة الجمعية، فيما لو تم التوافق على تعديل النظام الداخلي. فعملية اختيار اسم مسيحي واسم مسلم ليست بالأمر السلس، لاسيما في ظل الاختلاف الواضح بين ممثلي المصارف المسلمين.
فممثلي المصارف المسيحيين لا يصعب عليهم استبدال اسم بآخر أو اختيار عضو جديد من إحدى الطوائف المسيحية. لكن المشكلة تكمن في اختيار العضو المسلم. فالمسلمون يتمثّلون في جمعية المصارف من خلال 6 أعضاء منهم 3 من الطائفة السنّية (بنك البحر المتوسط وفرنسبنك وبنك لبنان والمهجر) و2 من الطائفة الشيعية (فينيسيا بنك والبنك اللبناني السويسري) ومصرف واحد للدروز (بنك بيروت والبلاد العربية). ويقع الخلاف في كيفية اختيار عضو جديد فيما لو تم التوافق على تعديل النظام الداخلي “فمن أي طائفة سيكون؟” ويُضاف ذلك إلى مشكلة ثانية تتمثل في رفض ممثلي المصارف من الطائفة المارونية وعددهم 3 ترؤس أي مجلس جديد في ظل الأزمة الحالية.
خلاف بخلفية طائفية
ويرى كبار اعضاء الجمعية أن تجمع “الصغار” غير موحّد القرار، وبالتالي لا يمكن تعيين اثنين منهم، إنما يجب انتخاب اثنين، “وعملية التوافق على انتخاب عضوين إضافيين لن تكون سهلة كما يعتقد البعض”، على ما يقول المصدر. كما أن إدارة الجمعية غير مستعدة للدخول في معركة انتخابية تدخل الطائفية فيها بقوة.
من هنا، تنحصر الطروحات في مسألة تعديل المادة 13 من نظام الجمعية والتمديد الاستثنائي للمجلس الحالي بموافقة 75 في المئة من الأعضاء. وبالنظر إلى صعوبة توفر هذه الأغلبية، يُجري تكتّل المصارف الصغيرة اتصالات كثيفة لحشد أكبر عدد ممكن من المصارف، في مقابل سعي كبرى المصارف إلى حشد قواها في الجمعية لقطع الطريق على إفشال الجمعية العمومية.
وحسب المصدر، فإنه حتى اللحظة، ما زالت المخاوف من إفشال انعقاد الجمعية العمومية مرتفعة جداً، في ظل الانقسام الكبير داخل جمعية المصارف. وفي حال عدم اكتمال النصاب يوم الأربعاء، أو في حال انسحاب عدد كبير من المصارف، فستتم الدعوى إلى جمعية عمومية ثانية. وفي حال اعتراض 10 مصارف، يمكن لمفوض المراقبة حينها أن يدعو إلى جمعية عمومية إلزامية.
من الواضح أن أزمة جمعية المصارف كبيرة لا يسهل الخروج منها. وحسب البعض، فإن العراقيل بمجملها تعود إلى بضعة مصارف وعددها أربعة “غير قابلة للحياة او الاستمرار” تقف في وجه كل الحلول والقرارات مهما كانت. وهي من يساهم اليوم بشكل بارز في الشرخ المصرفي. وأقصى ما يرجوه بعض المصرفيين ممن يمثّلون كبرى المصارف، هو تهدئة الأمور والتمديد لعامين مقبلين بالحد الأقصى، ريثما تتضح معالم الخروج من الأزمة وإيجاد حلول ولملمة القطاع، وذلك في ظل الانقسامات الحالية.
وإذ يختم مصرفي من كبار المصارف بالقول “خيار التمديد أفضل من انهيار الجمعية”، يقابله زميل له من مصرف صغير بالقول “لا انهيار للجمعية إنما تمثيلنا فيها بات واجباً وضرورة”.