إنعكست نتائج الإنتخابات النيابية على البلدية التي أُجّلت عاماً كاملاً وسط الحديث عن تأجيلها عاماً إضافياً، وانصرفت القوى والعائلات تلملم شتات ما زرعته على مدى ست سنواتٍ مضت وتتهيّأ للمرحلة المقبلة، وتحاول إصلاح ما أمكن من المدة المتبقية.
لا يمكن فصل الاستحقاق النيابي عن البلدي حيث يشكل الأوّل بروڤا للثاني، وعلى أساسه تقاس الأحجام ويتم التكهن بالنتائج وكيفية تعاطي الناس معه في ظل الإنكفاء الذي حصل منهم ونسبة الإقتراع المنخفضة في عدد من الدوائر لا سيما بعلبك الهرمل. وإن اختلفت مقاربة الاستحقاقين حيث تتصدر العائلات والعشائر الدور الأكبر في اختيار ممثليها المحليين، تبحث الأحزاب عن الثغرات التي يمكن أن تدخل عبرها وتسيطر على المجالس البلدية التي تشكل لها حائط دعم تستخدمه في تقديم الخدمات تحت ظلها ورعايتها وهي في الأساس حقٌ مكتسب تمثله اللامركزية الإدارية.
تُركت المجالس البلدية في مهبّ رياح سنة إضافية مدّدت لها وسط أزمة مالية ضربت مختلف القطاعات الرسمية والخاصة، وتراجعت معها الخدمات وأبسط الأعمال التي تقوم بها المجالس المحلية لعدم توفر الموارد المالية اللازمة، واقتصر دور العديد منها على إزالة النفايات وتصليح الأعطال البسيطة التي لا تكلف مبالغَ مالية معطوفة على عمليات ترقيع للطرقات التي نخّرت الحفر وجهها وأصبحت مصيدةً لـ»الرايح والجايي»، ومع التمديد بدأت إعادة الحسابات التي قامت على أساسها المجالس البلدية المتعلقة بالرئيس ونائبه، حيث دخلت خط البازار وتقاسم الحصص سواء عبر دور الأحزاب أو العائلات الصغيرة والكبيرة التي ألغت بهذا «العُرف» الدور الإنمائي الذي تلعبه البلديات بشكل أساسي والذي يحتاج ولاية كاملة للرئيس لإتمام برنامج عمله.
ولأن «رُب ضارةٍ نافعة» جاء التمديد على طبق من فضةٍ لرؤساء كان من المفترض أن تنتهي فترة ولايتهم إثر الاتفاق المعقود لا سيما في البلدات الصغيرة والتي لم يرشح عنها أي أعمال وإنجازاتٍ تُذكر، مترافقةً مع عدم نية تلك البلدات فتح الملف البلدي لحين انتهاء المدّة الممدّدة ليتسنى لها وضع إطاراتٍ جديدة للاتفاقات أو التوجه نحو الانتخابات والمباركة للفائز، وفي وقتٍ عملت فيه الأحزاب المسيطرة في بعلبك الهرمل لا سيما ثنائي أمل و»حزب الله» على تقسيم الولايات (الرئيس ونائبه) في معظم البلديات التي خاضت فيها الانتخابات عام 2016 بين العائلات، أبقت القديم على قدمه في مركزه وأرضت بعضاً من العائلات بإعطائها رئاسة سنة في عدد من البلدات الصغيرة، وطلبت من البعض الآخر تقديم استقالته من مراكز حساسة كرئيس اتحاد بلديات بعلبك.
ولأن النفع يعود بالجملة، ساهم انهيار البلد وثورة السابع عشر من تشرين في تغطية انهيار عدد من البلديات التي نخرها الفساد وسوء الإدارة والهدر المالي، بعد أن اتبعت طوال الفترة الماضية سياسة كان عنوانها «الذهاب نحو الانهيار» بفعل التوظيفات العشوائية والمصاريف دون حسابات وسوء الإدارة والرقابة، وفي هذا الإطار تشير مصادر لـ»نداء الوطن» إلى أنه لا شك وفي عدد من البلديات كان الوضع ذاهباً نحو الانهيار بسبب التصرفات اللاإدارية وسوء استخدام المال العام والهدر، فلا مراقبة على عمل من اختاره الحزب الفلاني لرئاسة بلدية أو اتحاد، حيث يتصرف وكأنه الحاكم بأمره دون مراعاة الشأن العام وخدمة الناس، ففي إحدى البلديات قام رئيس بلدية بتوظيف 47 موظفاً خلال شهرٍ ونصف، وإطلاق مشاريع كلفت مبالغ طائلة، ومنها مشروع قبل الأزمة بدأ بـ240 ألف دولار لينتهي بـمليار وأربعمئة مليون ليرة لبنانية ولم ينتهِ كاملاً، وكل هذا كان يتجه بعدد من البلديات نحو الإنهيار والإفلاس غير أن إفلاس البلد أنقذها وأنقذ من يقف خلفها، وأضافت المصادر أن الإستقالات التي تفرض وفرضت على أحدهم كانت بسبب سياسة الهدر المالية وفقدان محتويات مخازن ومصاريف واختفاء أموال، حيث استدرك الحزب الذي عيّنه الأمر وطلب منه الاستقالة بعد أن طلب منه مراراً وتكراراً الانتباه وحسن الأداء والتصرف، لكن التراكمات أوصلت إلى هذا القرار.
ومع فتح باب الاستقالات وانتشار روائح الفساد وسوء الإدارة في عدد من البلديات وفشل البعض الآخر لا سيما نتيجة سوء اختيار الناس لمن يترأس المجلس البلدي، وربطاً بنتائج الانتخابات وإقبال الناس على التصويت، تدخل الانتخابات البلدية حيّز التحضير واللقاءات والاجتماعات والتي سيكون لنا فيها إضاءات متتالية.