تتفاقم أرقام البطالة في لبنان، حتى أنها تكاد لا تُحصى في ظل تسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي، وتقليص أعمال مؤسسات وإفلاس أخرى. وحده العامل اللبناني يفقد مع خسارته لعمله كافة مقومات العيش، في ظل غياب تام للحماية الاجتماعية.
وليس الحديث عن حماية اجتماعية في بلد مفلس، ومنهار اقتصادياً ومالياً، بالأمر الواقعي. خصوصاً أن الدولة تخاذلت، في أكثر من مشروع وبرنامج، عن تحمل مسؤولياتها. فكانت النتيجة فشل تلك المبادرات.
من هنا، باشر الضمان الاجتماعي في إطلاق مبادرة هي الأولى من نوعها في لبنان، لصوغ برنامج لنظام تأمين البطالة، مستنداً في تمويله على طرفي الإنتاج، العامل ورب العمل فقط، مستبعداً الدولة تجنباً لفشل المشروع، كما العادة.
فما هو مشروع التأمين ضد البطالة؟ وما هي أسسه؟ ومن هم المستفيدين منه؟
للمرة الأولى في لبنان يتم وضع مشروع لدعم العاطلين عن العمل على طاولة البحث. وللمرة الأولى أيضاً، يتلقّف وزير عمل مبادرة إنشاء نظام تأمين للبطالة في لبنان بجدّية، على ما يقول المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الدكتور محمد كركي، في حديث إلى “المدن”. وقد تم الإنطلاق فعليّاً بمشروع نظام للتأمين ضد البطالة، وبالدراسات القانونية والإكتوارية اللازمة له، بالتعاون بين الضمان ووزيرة العمل لميا يمّين ومنظمة العمل الدولية: “وارتأينا أن يتم تأسيس فرع في الضمان الاجتماعي للتأمين ضد البطالة، على غرار فروع المرض والأمومة والتعويضات العائلية ونهاية الخدمة. فالمشروع لن يكون مؤقتاً لمدة سنة أو سنتين، كما يقترح البعض، إنما يتم العمل على تأسيس الفرع ومنحه صفة الإستمرارية”.
أسس النظام
يُعد الركن الأساس من مشروع نظام تأمين البطالة أنه مموّل من طرفي الإنتاج المعنيين به فقط، أي العمال وأصحاب العمل. ومن غير المتوقع أن يكون نظاماً سخياً على غرار الأنظمة الاجتماعية في فرنسا وباقي الدول الأوروبية. هو مشروع محدود يتوافق مع الظرف الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، ويشبه إلى حد ما الأنظمة السائدة في البحرين والأردن.
يصف كركي المشروع بـ”المرحلة الانتقالية للعامل المصروف من عمله، تستهدف تأمين راتب مقبول له، إلى حين تأمين عمل آخر”. وتتضمن الخطوط العريضة للمشروع كيفية تمويله، والتقديمات والشريحة التي يشملها.
كيفية التمويل
ونظراً لكون الأُجراء لا يمكنهم تحمّل المزيد من الضغوط، يقترح مدير عام الضمان تحميلهم بين نصف نقطة إلى نقطة واحدة فقط زيادة باشتراكاتهم للضمان. أي الاقتطاع من رواتبهم. وكذلك الأمر على أصحاب العمل. بمعنى أن يكون المجموع بين نقطة ونقطتين زيادة اشتراكات لتمويل المشروع. ويوضح كركي، أن معظم التجارب المماثلة تعتمد على إشراك الدولة بهكذا مشاريع، ومنها البحرين. لكن في لبنان لم تلتزم الدولة يوماً بواجباتها: “لذلك، ولكي يبصر المشروع النور، ويتمتع باستمرارية وباستدامة مالية، اقترحنا ألا يكون للدولة أي يد بتمويله. لاسيما أن مشروع ضمان المتقاعدين أطلقناه منذ عام 2017 وأصبح يضم نحو 20 ألف مستفيد، والدولة منذ العام 2017 لم تدفع أي مساهمة. كذلك الأمر في الضمان الصحي. لذا، اقترحنا أن يقتصر تمويل مشروع البطالة بين نقطة أو نقطتين موزّعة بين العمال واصحاب العمل فقط”، يقول كركي.
شروط الإستفادة
يستفيد العامل في كثير من الدول من المساعدة المالية عند صرفه من العمل، مهما بلغت سنوات عمله. أما المشروع المطروح في لبنان، فيستفيد منه الشخص المصروف من العمل، شرط أن يكون قد عمل لمدة عامين أو ثلاثة أعوام أو اكثر، وليس أقل. حينها، يستفيد من تعويض البطالة. ومن المتوقع أن تحدّد الدراسة الاكتوارية هذا الأمر بشكل دقيق. وتحدد أيضاً المبلغ الذي سيتم تقديمه للعامل المصروف من العمل.
ومن المقترح أن يتم الدفع خلال مدة زمنية تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر. وهذا الأمر يرتبط بعدد السنوات التي اشترك فيها الشخص قبل صرفه من العمل. فمن اشترك لسنتين على سبيل المثال يتقاضى راتباً لشهر واحد، ومن اشترك على مدى أربع سنوات يتقاضى شهرين مساعدة بطالة، ومن اشترك ست سنوات يتقاضى 3 أشهر، وهكذا دواليك. أضف إلى أن مدة التقديمات يجب ألا تزيد عن ستة أشهر، وتكون متغيرة حسب سنوات العمل.
أما قيمة التعويض فإنها لن تقارب الأنظمة السخية، التي تتيح تقاضي 80 أو 70 في المئة من الراتب الأخير للموظف. لكن بحسب البرنامج المقترح في لبنان، يتم دفع 60 في المئة من الراتب الأخير للمصروف، ويتناقص تدريجياً. فعلى سبيل المثال، يحق لأحد المصروفين تقاضي 3 أشهر تعويض بطالة، يبدأ بالشهر الأول بتعويض 60 في المئة من الراتب، ليحصل في الشهر الثاني على 50 في المئة وفي الشهر الثالث على 40 في المئة.
الفئات المشمولة
وفيما يتعلق بالفئات المشمولة بالمشروع، اقترح مدير عام الضمان بالبداية شمول الأجراء المسجلين بالضمان الاجتماعي فقط، على أن يتم توسيع الشرائح المشمولة لاحقاً، بشكل تدريجي. أي يمكن إضافة فئات جديدة لاحقاً بموجب مراسيم.
ومن المرتقب أن يُبصر هذا المشروع النور خلال أشهر قليلة “في حال كانت النوايا حسنة لدى السلطة السياسية”. ومن المتوقع أن يكون هذا المشروع أسرع من مشروع التقاعد الذي استغرق سنوات. كما أنه سيشكّل فرعاً دائماً من فروع الضمان الاجتماعي وليس مؤقتاً.
المصدر: المدن – عزة الحاج حسن