أضحت منذ زمن مسألة شمل الجمعيات التابعة لأحزاب أو تلك القريبة منها أو الجمعيات التي اسّست من قبل زوجات بعض الرؤساء والوزراء والنوّاب الذين تعاقبوا على الحكم، علامة فارقة في كلّ الموازنات، وطبعاً هذه القاعدة التي أرسيت منذ زمن بعيد لم تغب عن اخر موازنة تمّ إقرارها في العام 2018، بل أن جزءاً يسيراً من المال العام، بات من الواجب أن يُنفق لصالح تلك الجمعيّات واهدافها السياسيّة، حتى أصبح بمثابة عرفٍ ومسّه دخل في دائرة المحرمات!
العلامة الفارقة الأخرى التي باتت كفرض الواجب، هي دخول عامل المصلحة والاستنسابيّة على صرف الاموال الى كثيرٍ من تلك الجمعيات، ولو أنّها تقدّم مساعدات بصرف النظر عن طبيعتها وهذا ليس محلّ نقاشنا، بحيث نجد مثلاً أنّ الموازنات تلحظ جمعية تتبع للسيدة الفلانية أو الحزب الفلاني بنسبة أموال تعدّ مرتفعة مقارنةً بالتقديمات المخصّصة للقطاعات الإنتاجيّة، ما يُغيّب مبدأ المناصفة والمساواة.وبحسب جداول حصل عليها “ليبانون ديبايت”، نرى كيف أنّ موازنة عام 2018 التي أقرّت في مجلس النواب، خصّصت اعتماد 4.867 مليار ليرة لبنانية من أجل مساهمات أو عطاءات قدّمت من وزارة الصحة إلى جمعيّات خاصّة مؤسّسة أو مدارة بغالبيتها من قبل زوجات بعض الرؤساء والوزراء الحاليّين والسّابقين وزعماء الأحزاب، وكلها مصنفة تحت خانة “جمعيات لا تبتغي الربح”.وينشر “ليبانون ديبايت” بعض العطاءات بحسب الجدول الذي حصل عليه:رعاية مرضى التلاسيميا – السيدة منى الهراوي – 450 مليون ل.لمؤسسة الشهيد التابعة لحزب الله – 100 مليون ل.ل.عناية ورعاية شؤون الطفولة – السيدة اندريه لحود – 200 مليون ل.لالجمعية اللبنانية لرعاية المعوقين – السيدة رنده بري – 900 مليون ل.لجمعية مدرار – السيد عبدالله بري – 500 مليون ل.لمركز سرطان الأطفال – السيدة نورا جنبلاط – مليار ل.لمؤسّسة الإمام الصدر – السيدة رباب الصدر – 500 مليون ل.لجمعية يدنا – السيدة وفاء سليمان – حجم العطاءات 500 مليون ل.لوهناك ايضاً جمعيات مصنفة في خانة القرب من الأحزاب الموجودة في السلطة، وقد لحظ الجدول منها:المركز الوطني للتنمية والتأهيل (الحزب التقدمي الاشتراكي) – 145 مليون ل.لالمؤسسة الصحية الدرزية – دار العجزة (الحزب التقدمي الاشتراكي) – 500 مليون ل.لالى جانب الجمعيات الصحية، لحظت الجداول ايضاً تخصيص اعتمادات مرتفعة مقطوعة من موازنة وزارة السياحة، خصصت لجمعيات تُعنى بالمهرجانات القروية والسياحية، ولسخرية القدر، فإنّها مرؤوسة أو أسّست من قبل سيدات هنّ زوجات سياسيين أو مقرّبين منهم كذلك، وقد لحظ الاعتماد تخصيص مبلغ 600 مليون ل.ل لها.ويتبيّن بحسب المتابعة، أنّ هذا الاعتماد تستفيد منه جمعيّات لم يجرِ ذكرها في قوائم المساعدات المقدّمة من الوزارات، أي أنه أبقى الباب مفتوحاً لمساعدة أيّ جمعية تُعنى بشؤون المهرجانات، وهنّ كما ذكرنا غالبيتهم يتبعن لزوجات السياسيين.ولحظ مشروع الموازنة لعام 2018 جدولاً تضمّن تقديمات بملايين الليرات اللبنانية أعطيت كمساهمات إلى هيئات لا تتوخى الربح، كان أكثرها معاهد فنية وصناعية وتقنية موزّعة على منطقتي البقاع والجنوب.مثلاً خصّص لمدرسة الشهيد محمد سعد الفنيّة العباسيّة قضاء صور، مبلغ وصل إلى 125 مليون ل.ل، وهذه المدرسة تتبع إلى حركة أمل كما هو ظاهر من اسمها الذي يعود الى شهيد معروف سقط خلال مواجهة الاحتلال الاسرائيلي.وكذلك خصّص الى معهد الشهيد هشام فحص الفني – السلطانية صور، مبلغ 240 مليون ل.ل، الذي يدخل ايضاً في فلك حركة أمل.كما يظهر الجدول، تخصيص مبلغ 56 مليون ل.ل لمعهد “الأبرار التقني” المقرّب من حزب اللّه.والباقي كما يوضح الجدول أدناه:معهد البقاع المهني والتقني 200 مليون ل.لمعهد البقاع الفني 100 مليون ل.لمعهد البقاع الصناعي 80 مليون ل.لمعهد الصرفند الفني 375 مليون ل.لمعهد جويا الفني 150 مليون ل.لمعهد الشيخ يعقوب التقني – الطيبة بعلبك 220 مليون ل.لمعهد التمريض في مستشفى عين وزين 125 مليون ل.لمعهد برجا الفني 50 مليون ل.لمعهد تول الفني 50 مليون ل.لمعهد حسن قصير الفني 50 مليون ل.لمعهد مار يوحنا التقني – كرم سدة 30 مليون ل.لمعهد الشيخ خليل حسن بنهران 50 مليون ل.لمعهد الهرمل النموذجي 30 مليون ل.لإشارة، الى أننا لا نتناول من خلال هذا التقرير، أحقيّة الأهداف الإنسانيّة التي تقوم بها الجمعيّات، بل نطرح عبره سؤالاً حول الأسباب التي تدفع الى صرف هذه الأموال كلّها لصالح جمعيّات تُدار من قبل أحزاب وسياسيّين يعمدون الى استثمارها والإستفادة منها لتعزيز حضورهم السياسيّ.