بريطانيا تكشف «أجرأ موازنة» في نصف قرن… وانتقادات لـ«المقامرة»

فيما يمكن وصفه بأنها «أجرأ موازنة مصغرة» بريطانية على مدار نصف قرن كامل، والتي تتزامن مع تحذيرات حادة لبنك إنجلترا المركزي من أن بريطانيا تدخل في حالة ركود، تحت وطأة أسعار الوقود والمواد الغذائية المرتفعة، أطلق وزير المالية البريطانية كواسي كوارتنغ العنان لتخفيضات ضريبية تاريخية وزيادات ضخمة في الاقتراض يوم الجمعة، في أجندة اقتصادية فاجأت الأسواق المالية، مع السقوط الحر للسندات الحكومية البريطانية.

وألغى كوارتنغ أعلى معدل لضريبة الدخل في البلاد، كما حدد للمرة الأولى تكلفة خطط الإنفاق الخاصة برئيسة الوزراء ليز تراس، التي تريد مضاعفة معدل النمو الاقتصادي في بريطانيا.

ووصف حزب العمال المعارض الخطط بأنها «مقامرة يائسة». وقال معهد الدراسات المالية إن التخفيضات الضريبية هي الأكبر منذ ميزانية عام 1972، والتي يُذكر على نطاق واسع أنها انتهت بكارثة بسبب تأثيرها التضخمي.

وقام المستثمرون ببيع السندات الحكومية قصيرة الأجل بأسرع ما يمكن، مع اقتراب السندات لأجل عامين من تسجيل أكبر انخفاض في يوم واحد منذ عام 2009 على الأقل، إذ زادت بريطانيا قيمة خطط إصدار الديون للعام المالي الحالي بمقدار 72.4 مليار جنيه إسترليني (81 مليار دولار). وانخفض الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى جديد له في 37 عاماً مقابل الدولار عند 1.1148 دولار مع التحديث الذي أعلنه كوارتنغ في البرلمان، في ظل ازدياد مخاوف المستثمرين حيال المستقبل الاقتصادي ورفع المصارف المركزية معدلات الفائدة لمكافحة التضخم الخارج عن السيطرة.

وقال كوارتنغ إن دعم فواتير الطاقة المنزلية الذي أعلنته تراس ستبلغ تكلفته 60 مليار جنيه للأشهر الستة المقبلة. وقال الوزير أمام البرلمان في إطار استعراضه ميزانية مصغرة: «نتوقع بأن تنخفض الكلفة بينما نتفاوض على عقود طويلة الأمد للطاقة مع الموردين»، علماً بأن خطة وضع سقف للفواتير ستدخل حيز التطبيق في أكتوبر (تشرين الأول).

كما قال إن تكلفة التخفيضات الضريبية ستبلغ 45 مليار جنيه إسترليني أخرى. وأوضح: «خطتنا هي توسيع جانب العرض بالاقتصاد من خلال الحوافز الضريبية والإصلاح… هذه هي الطريقة التي سنتنافس بها بنجاح مع الاقتصادات الديناميكية حول العالم. هذه هي الطريقة التي سنحول بها حلقة الركود المفرغة إلى دورة نمو محمودة».

كما أعلن كوارتنغ إلغاء الحد الأقصى للحوافز المقدمة للموظفين في القطاع المصرفي، وهو سقف ورثته المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي، وذلك بهدف دعم قطاع الخدمات المالية. وقال: «كل ما فعله الحد الأقصى على الحوافز هو رفع الرواتب لأساسية للمصرفيين أو دعم النشاط خارج أوروبا». وخفض الوزير أيضاً المعدل الأعلى للضرائب على الدخل.

ويصعب أن تكون الأوضاع بالسوق مناوئة أكثر بالنسبة لكوارتنغ، إذ جاء أداء الجنيه الإسترليني أسوأ مقابل الدولار من أي عملة رئيسية أخرى تقريباً. ويأتي معظم انخفاض الجنيه الإسترليني انعكاساً للرفع السريع في أسعار الفائدة الذي أقره مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) لترويض التضخم الذي أدى إلى اضطراب الأسواق، لكن بعض المستثمرين قلقون أيضاً إزاء استعداد تراس للاقتراض بشكل كبير لتمويل النمو.

– انتقادات من المركزي؟

وبالتزامن صرح مسؤول في بنك إنجلترا، بأن خطط الحكومة لتحفيز الاقتصاد تثير قضايا «صعبة» بالنسبة للبنك، في الوقت الذي يحاول فيه خفض التضخم الذي وصل إلى أعلى معدلاته خلال أربعين عاماً.

ونقلت وكالة بلومبرغ عن جوناثان هاسكيل عضو لجنة السياسة المالية للبنك قوله إن الاقتصاد لديه قدرة محدودة لاستيعاب توسع مالي كبير من وزارة الخزانة بسبب مشكلات سلاسل التوريد وسوق العمل.

وأضاف هاسكيل: «نحن في وضع غير مريح»، مشيراً إلى أن «صعوبة التوسع المالي تكمن في أننا نقوم بهذه الخطوة في سياق مشكلات سوق العمل وصعوبات في الصين، وهو ما يعني أن سلاسل التوريد الخاصة بنا معرضة للتهديد».

وأوضح هاسكيل أن رؤية الحكومة من وراء هذه الخطوة هي أن برنامجها سوف يعزز الطاقة الإنتاجية للاقتصاد عن طريق إعادة الناس للعمل وتشجيع الشركات على الاستثمار، وإذا ما سارت الأمور وفق النهج الذي تأمله رئيس الوزراء ليز تراس، «فسوف نخرج من الوضع الراهن الذي يشهد تجاذبات». وأشار إلى أن الحكومة حققت استفادة كبيرة من خفض الأنفاق العسكري خلال العقود القليلة الماضية، ما سمح لها بتعزيز الأنفاق على قطاع الصحة.

لكن جيرارد ليونز مستشار لرئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس صرح الجمعة بأن مخاوف بنك إنجلترا من أن خفض الضرائب يمكن أن يفاقم من أزمة التضخم في البلاد هي «في الحقيقة محض هراء ويتعين وقفها»، مضيفاً أن «بنك إنجلترا يبعث برسالة غريبة للغاية، ولديهم أزمة مصداقية صنعوها بأنفسهم».

وذكر ليونز أن البنك المركزي مسؤول جزئياً عن مشكلة التضخم في بريطانيا، ولا بد أن يعترف صناع السياسة (في البنك) بأن سياسات الحكومة خفضت بالفعل الذروة المتوقعة للتضخم، عن طريق دعم أسعار الطاقة، وحالت دون حدوث ركود رئيسي كان سيتسبب في أضرار بالغة في الماليات العامة للبلاد.

– تدنٍّ للثقة

وفي الشارع البريطاني، تراجعت ثقة المستهلك إلى مستوى جديد خلال سبتمبر (أيلول) الجاري، بعد أن تسبب ارتفاع تكاليف المعيشة في زيادة الشعور بالتشاؤم لدى المستهلكين بشأن أوضاعهم المالية.

وذكرت مؤسسة «جي إف كيه» للدراسات التسويقية أن مؤشرها لقياس ثقة المستهلك تراجع خمس نقاط ليصل إلى سالب 49. في أدنى معدل له منذ بدء العمل بالمؤشر عام 1974. وكان خبراء الاقتصاد يتوقعون أن يسجل المؤشر سالب 42 نقطة فقط في سبتمبر.

ومع اقتراب معدل التضخم من 10 في المائة وقرار رفع أسعار الطاقة مجدداً في أكتوبر، تتراجع القدرات الشرائية للمستهلكين في بريطانيا بأسرع معدلاتها منذ عقود.

ونقلت بلومبرغ عن جوي ستاتون رئيس استراتيجية العملاء في مؤسسة (جي إف كيه) قوله: «المستهلكون يرزحون تحت وطأة أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة في بريطانيا… وهم يتساءلون متى وكيف سوف تتحسن الأوضاع».

مصدرالشرق الأوسط
المادة السابقةكركي أعلن دخول زيادة التعرفات الطبية والاستشفائية حيز التنفيذ
المقالة القادمةالنفط يتراجع في ظل مخاوف الركود